«أعطيني علامة تقول إنه الحنين بيزول» - د. فيحاء عبد الهادي
في الخامس عشر من آذار، من العام ألفين وستة عشر ميلادية، وفي الخامس من جمادى الثاني، من العام ألف وأربعمائة وسبعة وثلاثين هجرية؛ وفي الذكرى السنوية العاشرة لرحيلك شقيقي فيصل؛ فتك بي الحنين؛ غمرني ماؤه.
هلاّ تمدّ ذراعك أيها الحبيب والصديق/ لتنتشلني/ولتدثرني بمعطفك؟
*****
بين لؤلؤة الخليج ونار فلسطين تأرجح قلبه/ بين مدينة تحب الآخرين ومدينة "تدرِّب البشر على حب الآخرين"/ بين الجُمّيرة والياسمين/ بين الطفولة والشباب/ بين مدينة في حجم قلبه، ومدينة تستقر في غور قلبه/ عاش وبنى وحلم/ ورحل وفي قبضته أمل العودة.
*****
"كان فيصل من أنشط الشباب اللي عملوا لفلسطين. لحركة فتح في بداياتها، كان الأخ الكبير لكل واحد يحضر من نابلس، يسأل عنّه، يْأَمِّنْلُه منامه، يقدِّم جميع المساعدات اللازمة. كان يقوم بتنظيم الشباب إللّي تحضر من نابلس. كان كل إنسان جاي يروح على أميركا، على ألمانيا، أو أيّة بلد؛ كان يقنعه بأنه ما يغادرش البلد، وكتير من الشباب خلاهم ما يطلعوش.
كان يحاول بكل الطرق إنّه يعمل شغلات مبتكرة، مثل إيش؟ هذه بذكرها جيداً؛ كان يفكِّر يجيب طيّارة شراعيّة يمشّيها على الكنترول، ويحط فيها شغلات، يخليها إتطير من الغور على الكرنتينا، إللي هي كانت فوق جسر داميه، طبعاً بمساعدة بعض الإخوة العاملين إللّي إلْهم إطِّلاع بهذه الشغلة. كان ينزل كتير على الغور، على الكرامة، عند الإخوان المتنظّمين، كان ياخد إلهم إيش لازملهم. فيصل كان دائماً وأبداً الأخ الحنون إللي يهمه يقدِّم. كان أهم شيء عنده إنّه يقدِّم بصمت. فيصل كان، بكل الطرق، يوقف مع كل صغير وكبير جاي من فلسطين. كان يقول لي: ما إلك أبو الصدق، كل واحد هون متلي، أكِنّي أنا فيصل.
كمان حاول يعمل أشياء لأهل نابلس، مثل شو عاداتهم، شو أغانيهم، أشياء التراث. يقول: إحنا بدنا نشعر الشباب، أهل نابلس إللي في عمان، إنّه كماتهم بنابلس. فالغناني القديمة إللي هي مثلاً، كانت تتغنى بنابلس، وشغلات اللبس التراثي، كان يجمع هالشباب، ويشعرهم أكنهم قاعدين بمقهى بنص نابلس. كان يدبّ في الشباب الحماس، قاعدين يشتغلوا لبلدهم.
كان يروح على الجامعة الأردنية، كان له دور كبير في تنظيم عدد كبير من كوادر فتح. كان قادر على الإقناع، ما كانش يحكي إلاّ لما يفكر.
كان يحاول يعمل أجهزة تصنت. جرَّبها عدة مرات، كان يفاجئنا، فبدأ معنا فيصل في تدريب الشباب، وإرسالهم إلى الأرض المحتلة. كان يقعد مع الإخوان، نفكر كيف ندخِّل سلاح. يعطينا أفكار، مثلاً في الخشب تاع السيارة، هو عنده نوع من الأجهزة، شاطر فيها هاي، فكان يقول: لما تعملوا هيك بصير الخطأ الفلاني، بكشف الأمور.
عشنا إحنا وإياه فترة كواحد منّا، كان يعمل معنا، فعّال، من أول الناس من أهالي نابلس العاملين في حركة فتح. بتقدري تقولي في 67 صار الاحتلال، بعديها بشهر بدت الناس تشتغل، كان يشتغل بصمت.
كل همّه فلسطين، كل همّه أهالي نابلس؛ بس ما كانش يفرِّق بين بلد وبلد؛ يقوم بأعمال الجميع للجميع بالتساوي. ما يحبِّش الظهور، يقول: أنا خليني أشتغل بكل طاقاتي. كان هو ينطنط مثل الزنبرك، ينطنط هون، تلاقيه قعد هون، تلاقيه راح أجا، ما كانش يِكلّ، ولا يِملّ، كأنه موظف، يجي الصبح: شو عملنا؟ شو سوينا؟ شو بدنا نعمل اليوم؟ هذا كان شغله، فهو سياسي محنَّك، عنده أفكار جديدة يطرحها علينا، ما نتخيلهاش.
كان يعني إنّه يقيم اللقمة من تمّه يحطّها بتمّ صاحبه. كانت علاقته جيدة، ومحبوب من جميع اللي حواليه. يحترم الجميع بدون استثناء. علاقته جيدة، مع الصغير والكبير، ما عندوش كبرة. متواضع كتير. يحب الجميع، تقولي له: في واحد بالصين من نابلس متضايق؛ يحاول إنه يخدم الزلمة بدون ما يعرفه، هادي طبيعته، وبالوطنيّة ما بقدر أوصف الزلمة!
كل ما كان نطلع على إربد، ونرجع، نطلع على الزرقاء، ونرجع؛ نروح على الغور؛ عدة مرات ننزل على الغور. ونحن رايحين على السلط، أول العارضة في السيارة، قال: وقفوا السيارة، نزل، وصار يطلّع على جبال نابلس، وعلى الغور. بقول له: شو مالك؟ يقول لي: شو مالي؟ مش حرام إحنا، ما نكونش هناك!".
زاهي صدقي النابلسي/ نابلس
*****
"غياب فيصل يجثم كالصخرة على قلوبنا، نستشعره يومياً. كان مصدر إلهام لنا، ولكل من عرفه. نأمل أن يصل أطفالنا، والجيل الفلسطيني الجديد، إلى مستوى عظمته. هل يستطيعون؟!".
دالية الفرَّة/ دبي
*****
"تتسلل ذكرى رحيل فيصل إلى ذاكرتنا، تلك الذكرى التي تعشعش في عقول وقلوب أصدقائه، وعائلته التي تتألم لفقدانه.
فيصل ما زال يعيش بيننا، من خلال القيم العالية التي آمن بها، وعاش من أجل تحقيقها".
سمير خوري
*****
"تسعة شهور؛ من العمل مع فيصل؛ كانت كافية لتؤثر بي عميقاً، أكثر من أي شخص أثَّر بي خلال اثنين وثلاثين عاماً.
خلال عملي معه؛ وجدت نفسي أستجيب للتحدي ليل نهار، كي أتلاءم مع شعلة نشاطه وشخصيته الاستثنائية، ونجاحه في التخطيط والتصميم للمشاريع الجديدة الخلاقة.
كنا نخطط ونخطط قبل اجتماعنا معه لمناقشة أمور محددة، وفي كل مرَّة كان ينجح في تخليصنا من أفكارنا التي لا تحمل إبداعاً، بما يطرحه من رؤية تحليلية، وتفكير خارج العلب الجاهزة.
كان يقودنا دائماً إلى الحوارات الذكية، وبدقائق معدودة، في أي اجتماع؛ ليضيف إلى الآراء المطروحة، التي تعلمناها ضمن تخصصاتنا.
كان يحب لقاءنا بعد الاجتماعات، ليقيِّم مجرى الاجتماع، وكيف يمكن أن يكون أفضل. كان محباً حقيقياً للكمال. وبالرغم من صغر أعمارنا؛ كنا نجد أنفسنا نحبس الأنفاس للحاق بسرعة بديهته.
أحببت طريقته في مكالمتي إثر أي اجتماع، كل في سيارته، لنتناقش حول ما دار في الاجتماع؛ قائلاً: خلينا نتسلى.
صحيح أنه، برحيله، ترك فراغاً؛ سوف يبقى فينا للأبد؛ لكن القيمة التي أضافها لحياتنا؛ سوف تهزم أي فراغ تركه برحيله المبكر".
دوري العجرمي/ دبي