هل قدر الفلسطيني تخليص الإسرائيلي من عنصريته؟ باسم برهوم
كم مرة يجب أن تفاجئنا عُنصرية إسرائيل؟ لأنه في كُل مرة يصدر فيها تصريحاً عُنصرياً عن السياسيين الإسرائيليين او يقر فيه الكنيست الاسرائيلي قانوناً عُنصرياً تمييزياً، هناك من يخرج من بيننا ليُعرب عن دهشته من المدى الذي ذهبت إليه هذه العُنصرية، أو مدى الحقد الأسود الذي تتضمنه هذه التصريحات وهذه القوانين. والحالة هذه فإن هؤلاء المُندهشين إما انهم يجهلون الطبيعة العُنصرية للصهيونية، أو أننا لا نُراكم في معارفنا وفي تجاربنا بشكلٍ جيد عبر الصراع الطويل مع المشروع الصهيوني الذي بُني وصُمم بالأساس على نفي وجودنا ولا يزال يرفض الاعتراف بهذا الوجود، أو الاعتراف بان لنا حقوقا أصيلة بأرض وطننا فلسطين. ربما لم يطلع الجيل الفلسطيني الجديد على قرار الأمم المتحدة الذي اعتَبر الصهيونية شكلاً من أشكال العُنصرية والتمييز العُنصري، الذي صدر في العاشر من تشرين الثاني عام 1975. هذا القرار جاء من اجتماع للجمعية العامة للأمم المُتحدة، التي تُمثل الرأي والضمير العالمي، وعُقد تحت عنوان "القضاء على كل اشكال التمييز". صحيح أن هذا القرار قد تم الغاؤه في كانون الأول 1991، بعد أن هيمنت الولايات المتحدة ُمنفردة على العالم، فإن هذا الالغاء لا يُغير من واقع أن الصهيونية وفي جوهرها كحركة عنصرية. وفي هذا الشأن لا بد أن نتذكر أن الحداثة الأوروبية، التي بلغت ذروتها في القرن التاسع عشر، قد انتجت نوعين من الفكر، الأول فكر إنساني يؤمن بالمساواة والتآخي بين البشر وبالعدالة الاجتماعية، ويؤكد على أهمية الحوار و يرفض كُل اشكال التمييز، والفكر الثاني فكر عنصري يُصر على التمييز بين أجناس البشر ويبحث علمياً وتاريخياً من أجل تأكيد هذا التمييز والعنصرية، والحركة الصهيونية هي وليدة هذا الفكر العنصري. كرست الصهيونية جهودها وهي تضع فكرها وايديولوجيتها ومشروعها الاستعماري الاحلالي، على الجانب المظلم من التراث اليهودي، الذي ينطلق من أن اليهود هم شعب الله المُختار دون غيرهم، وان غيرهم هم بالضرورة أقل شأنا بل وحللوا سفك دمهم، لذلك فإن هذا الفكر العُنصري الصهيوني ينسجم مع التقاليد الدينية القديمة والواقع ان اليهودية ذاتها ضمت هذين الاتجاهين المتعارضين في الفكر الانساني. فالاتجاه العُنصري تبلور من تراث النبي غررا الذي حارب الزواج المُختلط وشدد على تطبيق مبدأ الانحياز ونقاء العُنصر اليهودي لذلك ليس غريباً ما جاء من فتاوى على لسان الحاخام الأكبر لليهود الشرقيين اسحاق يوسف قبل أيام الذي قال فيها انه لا يحق لغير اليهود العيش في اسرائيل مُطلقاً، مُضيفاً إذا لم يوافق غير اليهودي على الالتزام بالشرائع النوحية، نسبة الى نوح، فيجب ارسالهم الى السعودية على حد زعمه. والده الحاخام عوفاديا يوسف قد صرح في وقت سابق ان على الاسرائيليين قتل منفذي العمليات دون الخوف من القانون". المشروع الصهيوني برمته صمم على اساس نفي وجود الشعب الفلسطيني في إطار مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، واسرائيل وليدة هذا المشروع العدواني التوسعي، لا تعترف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وقد لا تعترف واذا اعترفت في وقت ما في المستقبل فإنها اما تعترف تحت الضغط او انها لن تعد صهيونية. وقد يكون قدر الشعب الفلسطيني وصمودهم ومقاومتهم للاحتلال ومواجهة هذه العنصرية، ان يكون تخليص الإسرائيليين اليهود من عنصريتهم في نهاية المطاف، لذلك يجب ان نستحق الشكر لا العقاب لأننا نُعيد اليهم انسانيتهم.