الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال القدس    تحقيق لـ"هآرتس": ربع الأسرى أصيبوا بمرض الجرب مؤخرا    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجز تياسير شرق طوباس    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال لمنزل في رفح جنوب قطاع غزة    الاحتلال يواصل اقتحام المغير شرق رام الله لليوم الثاني    جلسة لمجلس الأمن اليوم حول القضية الفلسطينية    شهيدان أحدهما طفل برصاص الاحتلال في بلدة يعبد    مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم  

"فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم

الآن

"ابو عنان" فقد الأرض فبانت جروحه

توضيحية

هدى حبايب

قبل 14 عاما بكى رشيد غانم بمرارة، وهو يشاهد ميراث أجداده ووالده يندثر في لحظات، الأرض التي ترعرعت ونضجت بتعب وعرق من سبقوه، وأكمل مشوارهم في رعايتها، تسرقها سلطات الاحتلال، وتخربها لصالح إقامة جدار الفصل العنصري، الذي فصل الكثير عن ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم ليبدأ بعدها مشوار المعاناة والألم.

استذكر غانم في يوم الأرض الذي يصادف اليوم الاربعاء، كيف أقدمت سلطات الاحتلال على الاستيلاء على آلاف الدونمات من أخصب الأراضي الزراعية غرب بلدة دير الغصون شمال طولكرم، وإقامتها جدار الضم والتوسع وإسناده بالبوابات الالكترونية، وما لحق ذلك من التضييق على أصحابها ومنعهم من دخولها، لزراعتها ورعايتها، وبما أن البلدة تعتمد بشكل أساسي على الزراعة في مصدر رزقها ومعيشتها اليومية، كانت المعاناة مضاعفة.

"رماني الدهرُ بالأرزاءِ.. حتى فؤادي في غشاءٍ من نِبالِ.. فصرْتُ إذا أصابتني سِهامٌ.. تكسّرتِ النِّصالُ على النِّصالِ"، بكلمات الشاعر المتنبي، وصف غانم حياته الأليمة بعد فقدانه أرضه، فهو أضحى بلا رزق، يعيل أسرته المكونة من 13 فرداً إضافة إلى نفسه، اثنان منهم معاقان إعاقة تامة بالشلل الدماغي منذ ولادتهما، فالأرض بالنسبة له تعني الأب، والأم، والحياة، والاستقرار والمواطنة.

وبدا غانم المكنى "أبو عنان"، البالغ من العمر 69 من العمر، متماسكا، وكأنه تحدى هذه السنوات بكل ما حملته من جروح وألم، بصبره وإرادته وثقته بالله ورضاه بالقضاء والقدر، وإيمانه بأن الحياة مهما كانت قاسية، فلا بد أن يأتي يوما، ويأتي الفرج.

كانت حياته في أرضه، الواقعة غرب البلدة، يقضي جل وقته فيها، يحرثها وينظفها ويعتني بها اعتناء الأم بطفلها، 61 دونما هي مساحة الأرض، تزخر بأشجار الزيتون واللوزيات، منها أربعة دونمات من البيوت البلاستيكية تضم شتى أنواع الخضار، أصبحت قيد المصادرة.

في ذلك اليوم المشؤوم من عام 2002، يقول غانم: تفاجأت وأنا أعمل في أرضي بالفرق الهندسية الإسرائيلية تتجول في المكان، وتضع علامات في المنطقة بدون سابق إنذار، وعندما حاولت الاستفسار منهم عن هذا التصرف، قالوا لي أننا سنقيم جداراً في المكان، اعترضت ولم يعيروا كلامي أي اهتمام فعادوا بعد ثلاثة أيام برفقة عدد كبير من جنود الاحتلال وبحوزتهم مناشير لقص الأشجار، شرعوا بقصها واحدة تلو الأخرى، فارتجف قلبي وكاد أن يقف.

تغيرت ملامح وجه غانم وبدا عليه الحزن مغمضاً عينيه، وهو يستذكر لحظة سقوط الشجر المعمر، ويقول:  "أصبحت الأشجار التي تسبح الخالق، ساجدة إلى الأرض تقول سبحان ربي الأعلى"، هي لحظات أليمة مرت علينا ونحن نشاهد بأعيننا أشجار الزيتون المباركة تتهاوى أرضاً، ودموعنا تتساقط وتختلط مع تراب الأرض الذي جبلناه بعرقنا ودمائنا، ليحل مكانها جدار الفصل العنصري اللعين، ليصبح الوصول على الأرض من المستحيلات، وحالي الآن يقول "ترى عيني مرابعها، ولا تسعى لها قدمي".

بذل غانم كل الجهد للوصول إلى الأرض رغم الجدار، ورغم يقينه أن الدخول إليها سيكون في حال حصوله على تصريح بشق الأنفس، ومع مرور الأيام والسنوات أصبح غير قادر على الذهاب والإياب لاستخراج التصاريح والوصول إلى الأرض بسبب السن وما حل بجسده من الأمراض المزمنة وبسبب ممارسات الاحتلال التعسفية على البوابة من تفتيشات واستفزازات.

يضيف غانم، أن مصادرة الأرض وتدمير البيوت البلاستيكية، أثر بشكل كبير على حياته المعيشية، بعدما كان يعتمد عليها بالدرجة الأولى، في تأمين متطلبات عائلته الكبيرة، والأهم توفير احتياجات للابنين المعاقين الأول وسيم ويبلغ من العمر (20 عاما)، والثاني يحيى (17 عاما)، لا يسمعان ولا يريان ولا يدركان ما حولهما، ويحتاجان إلى مصاريف يومية إضافية تثقل من كاهله، لم يكن ليشعر بها أثناء عمله في الأرض قبل مصادرتها.

وسيم ويحيى يعتاشان على نظام غذائي خاص مكلف للغاية، مكون من الحليب والتفاح والعسل والتمر تخلط جميعا في خلاط كهربائي ليتمكنا من تناوله بشكل سائل كون الفك عندهما معطل، إضافة إلى حاجتهما إلى فوط الأطفال ومواد التنظيف، هذه الاحتياجات يجب توفيرها يومياً لهما حتى يتمكنا من البقاء على قيد الحياة، قال الاب.

وأوضح أنه بعد مصادرة أرضه من قبل الاحتلال وانقطاع مصدر رزقه، طرق عدة أبواب لتأمين احتياجات ولديه المعاقين، كونه غير قادر على العمل ويعاني من أمراض الضغط والمفاصل، فلجأ إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، التي تدفع له 750 شيقل كل 3 شهور، وهو ما اعتبره مبلغ يسير جداً مقارنة ما يحتاج إليه من مصاريف العائلة، مشيراً إلى أن لديه ابن يدرس في السنة الأولى في جامعة الاستقلال، وبحاجة إلى مصروف يومي أيضاً.

بعد فقدان الرض وباب الرزق، ينصب تفكير غانم على حياة نجليه المعاقين، فتوجه بعدة شكاوى إلى وزارة الشؤون الاجتماعية لزيادة قيمة المبلغ، كما طرق أبواب عدد من المؤسسات وأبناء الخير لمساعدة ولديه، "لم يبق لهما سوى الله، ولكن من يعيش في وطنه لا يناله الضيم رغم قساوة الظروف، وسنعيش على لقمة الخبز بكرامة وشرف"، قال غانم.

من ناحيته، قال مدير مديرية الشؤون الاجتماعية في طولكرم عزت ملوح، إن المساعدة المالية البالغة 750 شيقل تصرف لكل الحالات المستفيدة من الشؤون، إلا أنه وبسبب الظروف الخاصة للمواطن غانم فقد تم منحه أيضاً عددا من المساعدات الأخرى من خلال البرامج المختلفة الموجودة في الدائرة، ومنها منحة من صندوق إقراض المعاقين إضافة للخدمات الأخرى كالتأمين الصحي ومساعدة تمويل أيضا.

وأضاف أنه تم صرف مساعدة طارئة له والتي تقدم للحالات الصعبة كما حالة أبناء غانم المعاقين، مشيراً إلى أن غانم حصل على الحد الأعلى من خدمات الشؤون الاجتماعية، لافتاً إلى أن كل قضية اجتماعية يتم زيارتها من قبل طواقم الوزارة، وتكون الزيارات بشكل مستمر في حال وجدت قضايا تتميز بالخصوصية كمسنين أو معاقين، منوهاً إلى أن غانم حظي بزيارة لوزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة ماجدة المصري التي اطلعت على وضعه ووضع أبنائه.

حال غانم بعد فقدان أرضه كحال الكثير من قرية دير الغصون الذين خسروا أراضيهم الزراعية التي يعتاشون على خيراتها، جراء جدار الفصل العنصري.

سهيل السلمان، منسق اللجان الشعبية في حملة مقاومة الدار والاستيطان في الضفة الغربية، بين أن سلطات الاحتلال صادرت حوالي ألفي دونم من أراضي قرية دير الغصون لصالح جدار الفصل العنصري في شهر آب عام 2002، وبذلك فقدت القرية أخصب أراضيها الزراعية منها أراض مروية وقسم كبير مزروعة بأشجار الزيتون.

وأشار أن إلى القرية هي بالأصل قرية زراعية بامتياز، تأثرت كثيرا من الجدار، إضافة إلى وجود بئر للمياه على جانب الجدار كان يروي الأراضي المزروعة خلف الجدار، إلا أنه الآن أصبح لا فائدة منه، بسبب منع المزارعين من الوصول لتلك الأراضي والاستفادة من البئر.

وأضاف أن عدد المزارعين الذين خسروا أراضيهم بلغ 100 مزارع، أراضيهم ذهبت إما تحت الجدار مباشرة أو خلفه، لافتاً إلى أن نسبة كبيرة من المزارعين كانت الزراعة تشكل مصدر رزقهم الوحيد، فيما القليل منهم كانت المصدر الثاني لهم بسبب اشتغالهم في المؤسسات المختلفة.

وأوضح أن المزارعين تقدموا باعتراضات إلى المحاكم الإسرائيلية التي "تعتبر جزءا من الاحتلال وهي تحاول شرعنة الاحتلال والمستوطنات، ولكن مستقبلاً هي من أجل ضمان حقوق المزارعين وإثبات أن المصادرة تمت رغما عنهم وليس كما يسوق الاحتلال بأن عملية مصادرة الأرض تمت بتفاهم مع بعض المزارعين".

واعتبر أن قضية التصاريح من أجل دخول الأرض خلف الجدار ما هي "إلا خدعة من الاحتلال وضمن خطة ممنهجة لكي يجبر المزارعين على عدم الذهاب لطلب هذه التصاريح"، واصفاً مراحل تقديم التصاريح بأنها رحلة عذاب يتخللها إحضار وثائق ومستندات ومخططات تكلف المزارع وقتا وجهدا ومالا، عدا إذا ما كانت الأرض مسجلة باسم الأجداد هنا تقع المشكلة في النهاية قد يحصل الشخص الكبير بالسن على التصريح دون الأبناء وهو بالتالي لا يستطيع العناية لوحده بالأرض أو قطف ثمارها كما موسم الزيتون، أو قد يرفض نهائيا بإدعاء المنع الأمني، وهنا يعني أن قرار دولة الاحتلال هو منع أصحاب الأراضي حتى من وصولها وقطف ثمارها وبالتالي هي سياسة لإجبارهم على الرحيل منها.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024