اسرائيل وذاكرة الشر - حسن سليم
قبل خمسة وثلاثين عاما، وفي عام 1980 تحديدا، تم اعتقال عمر الحروب بعد عملية مقاومة نفذها ضد الاحتلال، وفي ذات التاريخ كانت حنان الحروب طفلة تعيش وجع اللجوء مع اسرتها في مخيم الدهيشة.
وقبل اربعين عاما كان شمعون بيريس من كبار قادة جهاز الموساد الاسرئيلي، وقبل ثلاثين عاما كان اسحق رابين وزيرا للحرب في الحكومة الائتلافية بين حزبي العمل والليكود، وهو صاحب سياسة تكسير العظام للمنتفضين الفلسطينيين، ومعهما جيش من الاسماء تاريخهم حافل بالعمل ضدنا، ولقعلنا.
بعد كل هذه العقود، المفروض ان الامور تغيرت، هكذا اعتقدنا، نحن الفلسطنيين، فشمعون بيريس، ورابين تقاسما جائزة نوبل للسلام مع الشهيد ياسر عرفات، والحروب زوجة المناضل عمر الحروب حصلت على جائزة افضل معلمة في العالم، بفضل مهنيتها وابداعها، وليس لأمر يتعلق بالسياسة، وان كان ابداعها دعما سياسيا لثقافة السلام بشكل غير مباشر.
لكن الواضح ان عقلية الشر تأبى ان تفارق دوائر ولوبيات في اسرائيل، او مؤيدة لها، ليصل الامر بها ان تنظم الحملات مطالبة بسحب الجائزة من المعلمة المبدعة حنان الحروب.
عقلية الشر التي تصر على اعادة الامور الى ما هو اسوأ مما كانت عليه، بفضل خطابها التحريضي، ورغبتها بخطاب الدم بديلا لخطاب السلام الذي هو مصلحة للشعبين.
حيث ان مقاومة عمر الحروب وغيره من مئات آلاف المناضلين، كانت وما زالت محل اعتزاز شعبنا الذي لم يسلّم بأن تستباح ارضه، ولم يتنازل عن حلمه باقامة الدولة المستقلة، وما زال يبحث في كل زاوية في العالم عن فرصة لتحقيق هذا الحلم، بل ويقدم المبادرة تلو الاخرى، ليفوت الفرصة على جنون ساسة، وغلاة مستوطنين لا يقيمون وزنا لفرصة ذهبية بالامكان اغتنامها.
وفي مقابل المقاومة المشروعة لشعبنا، قانونيا وسياسيا واخلاقيا، التي "يعايرنا" بها اصحاب عقلية الشر، فاننا لا نلمس منهم شعورا بالخجل مما اقترفت يداهم وايادي حكامهم من جرائم ما زال ضحاياها ينزفون دما ووجعا، ومع ذلك يعضون على الجرح طمعا بسلام يمكن ان يتحقق، ويجنب قادم الاطفال مستقبلا شبيها بما عاشوا من ماضي.
واضح ان فجوة كبيرة في التربية والاخلاق بيننا وبينهم، وفجوة كبيرة ايضا في القناعة بامكانية ان تكون دولتان تعيشان جنبا الى جنب، ووضع حد لصراع طويل، حصد مئات آلاف من الارواح، وانتج مخزونا كبيرا من الكراهية بسبب مسلسل الجرائم لم تتوقف بعد.
ان ما يجب ان يعلمه دعاة الكراهية، ولوبي التحريض، ان الكيل بمكيالين لم يعد ينفع، وان كان اعتقادهم ان تاريخ المناضل عمر الحروب مبررا لسحب الجائزة من زوجته، فان لدينا الف مبرر ليتم جرهم واركان وقادة كيانهم الى المحاكم الدولية كمجرمي حرب، الا اذا كانوا يعتقدون ان الامر على طريقة "حلال لنا، حرام عليهم" وبالطبع بين الحالتين فارق كبير، كالفرق بين الثرى والثريا.