الحكمة السياسية- عمر حلمي الغول
السياسة فن الممكن، ومن يختار ويشق طريق السياسة، عليه ان يتمثل القضية ومصالح الحزب او المؤسسة او الدولة، التي يمثلها بشجاعة وفطنة. ولكن دون تطرف او نقيضه، اي التردد والجبن. ومن يخشى الغوص في مسارات وسراديب السياسة المعلنة والسرية لتحقيق الاهداف المحددة التكتيكية او الاستراتيجية، لا يمكن له النجاح.
في النضال الوطني التحرري الفلسطيني ومنذ التوقيع على اتفاقيات اوسلو في ايلول 1993 تم اشتقاق برنامج سياسي جديد، واعتماد اساليب واشكال نضال، احتل فيها النضال الشعبي السلمي، لا بل سبق الاتفاق عبر الانتفاضة الكبرى 1987/1993، شكل الكفاح الرئيسي إلى جانب اشكال النضال السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والثقافية التربوية والرياضية. وباتت طاولة المفاوضات عنوانا من عناوين صراع الارادات للدفاع عن الحقوق والمصالح العليا للشعب الفلسطيني بين القيادتين السياسيتين الفلسطينية والاسرائيلية.
غير ان طاولة المفاوضات غاب عنها الشريك الاسرائيلي، لانه لا يملك إرادة السلام، ولا يريد ولا يرغب في دفع استحقاقات خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194، ومضت 23 عاما من المماطلة والتسويف الاسرائيلي بهدف تكريس الاستيطان الاستعماري في اراضي دولة فلسطين المحتلة، حيث امست دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية تفرض السيطرة الكلية على 85% من اراضيها، والـ15 % الباقية تواصل تلك السلطات مزاحمة منظمة التحرير وسلطتها الوطنية عليها، مما افقد تلك الطاولة اي قيمة سياسية، وأحالها إلى حطام.
خلال تلك الاعوام الطويلة حرصت القيادة الفلسطينية على طرق كل الابواب الاسرائيلية والاميركية والاوروبية والروسية والصينية والاممية وعبر الاشقاء العرب منفردين ومجتمعين، لاحداث اختراق في جدار الاستعصاء الاسرائيلي، لكن دون نتيجة حتى الان.
ما ساهم في تراجع مكانة القضية الفلسطينية، وزاد الطين بلة حدوث الانقلاب الحمساوي عام 2007، اضف الى ثورات الربيع العربي ودخول إسرائيل والغرب الرأسمالي عليها عبر ادواتهم الدينية والطائفية والمذهبية والاثنية، والصراعات البينية العربية، التي ادخلت الوطن العربي في مرحلة التهشيم والتشظي وتعميق التطبيع مع دولة التطهير العرقي الاسرائيلية، حتى اصبح دوره ضعيفا وسلبيا في اغلب الاحيان، إلى جانب تواطؤ الولايات المتحدة مع اسرائيل وصمت مريب لباقي الاقطاب عما يجري على الارض الفلسطينية نتاج تصاعد وحشية الفاشية الاسرائيلية وافرازاتها العنصرية.
هذا الواقع عمق المأزق السياسي، الذي نعيشه، وعلى الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، منظمة التحرير اعتماد الحكمة السياسية لولوج مرحلة جديدة لحماية الذات الوطنية من خلال العمل على الآتي:
اولا الحرص الشديد على عدم الرضوخ لمنطق المستعمر الاسرائيلي، والدفاع عن مصالح الشعب والبرنامج السياسي بقوة، وهذا يفرض الالتزام بقرارات المجلس المركزي للمنظمة في آذار 2015، وابرزها وقف التنسيق بكل اشكاله بالتدريج، لان حكومة نتنياهو ليست جاهزة ولا مستعدة للالتزام باية اتفاقيات وقعت بينها وبين قيادة المنظمة، والدليل عدم الافراج عن الدفعة الرابعة من اسرى الحرية، الذين اعتقلوا قبل التوقيع على اتفاقيات اوسلو؛
ثانيا التعامل مع اسرائيل كدولة احتلال مارقة وخارجة على القانون؛
ثالثا التمييز بين مبدأ اختراق الشارع واحداث نقلة نوعية في الوسط الاجتماعي الاسرائيلي وبين بعض فعاليات العلاقات العامة؛
رابعا ملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين الاموات منهم والاحياء امام محكمة الجنايات الدولية وكل المنابر ذات الصلة؛ خامسا التقدم بقوة إلى المنابر الاممية لطرح مشاريع القرارات الداعمة للحقوق الفلسطينية وفق دراسات معمقة ودقيقة للاساليب والطرق الافضل لبلوغ النتائج الوطنية المرجوة؛ سادسا ضرورة الحرص على وحدة ابناء شعبنا داخل دولة إسرائيل، والحرص على استخدام ميزان الذهب كوحدة قياس لاي موقف يعلن او سلوك يتبع تجاه الاسرائيليين او من في مقامهم من الفلسطينيين في الداخل، العاملين في المؤسسات الاسرائيلية حتى لا يساء الفهم، وبالتالي الابتعاد عن التبسيط في المعالجات السياسية او الاجتماعية.. إلخ من السياسات الحكيمة لإبقاء المكانة الفلسطينية شامخة، وللحؤول دون إفساح المجال امام حكومة نتنياهو او اجهزتها الامنية من الاستهتار بهذه المكانة بأي شكل من الأشكال.
oalghoul@gmail.com