كيف ظهر الفلسطيني في عروض السينما الاسرائيلية ؟ مجد حثناوي
قبل الإجابة على هذا السؤال، يجدر بنا التنويه إلى أنه لا يمكن الحديث عن السينما الإسرائيلية والقضايا التي تحدثت عنها بمفصل على سياقها التاريخي المنتج لها، ولا يمكن أيضا الحديث عن ملامح الفلسطيني من دون الحديث عن التشوهات الهوليودية لصورته والتي تركت مساحة عرض واسعة للأفلام الإسرائيلية، يشاهدها الفلسطيني ولا يمتلك ردة فعل إلا انسحابه من أول خمس دقائق في العرض، احتجاجا على ملامحه المشوهة، وسط نداءات بنيامين نتنياهو لمنتجي هوليود "انتجوا أفلاما عن إسرائيل"، "أنتجوا أفلاما عن إسرائيل"، فيجددون عهدهم معه ويلبون له النداء من جديد. النداء الأول من النادر جدا أن تكون السينما محط اهتمام دولة حديثة النشأة، والأشد ندرة أن تمتلك الفنيات الايدلوجية والتقنية في تصوير الآخر، بصيغة ناضجة، لأنها ببساطة ما زالت "الدولة" في مرحلة صنع الذات، بالتالي السينما ستكون انعكاسا للذات أكثر منها للآخر الفلسطيني، فمثلا في المشهد الأخير "من قمة تل 14 يصعد جنود الهاغاناة وضابط أردني فينظر ضباط الهاغاناة إلى التل وإلى عدد القتلى الإسرائيليين حيث علمهم في يد فتاة طوت العلم بيدها قبل أن تموت مما يدل على ملكيتهم للأرض" مثل المشهد الأخير دعاية إسرائيلية مباشرة إلى تشجيع الهجرة إلى إسرائيل عبر الفيلم الإسرائيلي" التل 14 لا يجيب"، الذي أنتج في منتصف الخمسينيات، وتوالت الأفلام التي لم تلاقِ أي صدى عالمي، بسبب مباشرتها وتصويرها للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أنه صراع على بئر ماء، وتصويره الفلسطيني بالمنافس له على وجوده. تفاجأ غوريون في ذلك النهار الذي انهالت على دولته المساعدات بعد قيام هوليود بتصوير فيلم "اوكسودوس" في الستينيات للمخرج الأميركي اوتو برمنجير، ومنذ ذلك الحين أدرك غوريون أهمية السينما فبدأ المخرجون الإسرائيليون ينهالون علينا بأفلام أثبتت وجودها في التاريخ السينمائي الروائي أمثال مناحيم جولان، وأوري زوهر. اجعلوها سوداء أدرك منتجو الأفلام الإسرائيليون ورطتهم أمام الرأي العام العالمي بعد الجرائم التي ارتكبوها في الستينيات بحق الشعب الفلسطيني، فتغيرت وجهتهم الرامية إلى نسف الآخر، وعدم الاعتراف به، بل أخذت تؤنسنه، ووسعت هويته أكثر لتشمل العرب جميعا، فضمتهم جميعا في خانة الإرهاب، وأخذت تناقش في أفلامها قضايا الجيش الإسرائيلي الاجتماعية، كما في فيلم "البرعم"، وبهذه الطريقة أذابت الفلسطيني بما يسمى "موجة الإرهاب" العالمية. بالجانب الآخر المظلم، عرض فيلم "خربة خزعة" للمخرج رام ليفي بشاشة سوداء طيلة عرض الفيلم، لأنه طرح فكرة الدولة الإسرائيلية القائمة على نكبة الفلسطينيين لأول مرة في السينما مما أدى إلى إقالة مدير المحطة التي عرضت الفيلم، وملاحقة القائمين على الفيلم قانونيا وإعلاميا، وكانت هذه كرة الثلج الصغيرة التي تدحرجت في عالم السينما الإسرائيلية، التي أصبحت تعرض وجهة النظر المناقضة لها من دون ظهور أي حكم علني بأحقية اليهود في الأرض داخل الفلم، بل وتعدى ذلك جلب ممثلين عرب داخل الفيلم. ماذا عن ميونيخ؟ تجلت صناعة السينما الإسرائيلية في السبعينيات والثمانينيات، عن طريق إقامة عدة صناديق داعمة للإنتاج السينمائي، وقد منح ذلك الصندوق مساعدات مالية لمئتي مخرج ومنتج إسرائيلي خلال ثلاث سنوات من أقامته، كما أن سن قوانين في الكنيست الإسرائيلي لدعم السينما، أعطت مساحة كبيرة مشجعة لأفكار كثير منها سوداوي وخاصة بعد حرب حزيران، حيث ركزت الأفلام على صراع الجندي مع ذاته بعد كسر هالة القداسة للجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر، كما في فيلم "تزومت فولكان" و"ثلاثة وواحد"، وصنفت أيضا أفلام أخرى ضمن قائمة ستيفن سبيلبرغ، الذي رشحت معظم أفلامه لجوائز أوسكار، في تركيزها على البعد النفسي، للجنود الإسرائيليين في حروبهم، وخاصة في المحرقة النازية. والمحرقة لم تشوه صورة الألماني النازي فقط، بل حاولت السينما تصدير الفلسطيني (النازي) أيضا، وخاصة في حادثة اولمبيات ميونخ 1972، صورت الفلسطيني بجماعة جاءت من فوضى لتنفذ عملية من غير مسبب ولا مبرر قانوني أو شرعي، لتقضي على أرواحهم، في فيلمهم "ميونخ" الذي رشح لجوائز أوسكار ولاقى مبيعات هائلة على شباك التذاكر في هوليوود. الفلسطيني الشبح تكاثفت أقلام المحللين العرب والغرب في تحليل ماهية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في الفيلم المثير للجدل "لا تعبث مع زوهان"، ونشر موقع هآرتس عدد من المقالات التي بررت بالمجمل تصوير الفلسطيني بالفيلم بالشبح خفيف الظل يظهر الإسرائيلي، فيتصادقا طيلة فترة الفيلم في دراما مضحكة، انتقدها الكتاب العرب أمثال الكاتبة رشا عبد الله سلامة بتسطيح صورة الفلسطيني، ومساواة القاصي والداني في صورة درامية لا تثير شيئا على بعض القهقهات في سينما هوليوود. ولم تحلل السينما فقط شاكلة وجودية العربي، بشكل ساذج وسطحي، بل دخلت إلى تشظيات هويته وتمزقها، وخاصة عرب الداخل الفلسطيني، فأنتجت فيلما حديثا "عرب راقصون" تتنازع فيه العرقيات بين اليهود والعرب، معتمدا على مذكرات سيد قشوع، تدور أحداثه حول الصبي اياد الذي ينتقل من مدرسة في الطيرة إلى مدرسة مرموقة في القدس، فتنازعه هويته، ويشرح المخرج من خلال الفيلم "المحطات التي يرقص فيها العرب" شككوا بوجوده، ثم أنسنوه، جعلوه شبحا، فرقصوه، يتغير شكل وطريقة عرض الفلسطيني في السينما الاسرائيلية من مشهد لآخر وتجعله دمية في ساحة هوليوود، فهل يستطيع الفلسطيني الانعتاق من الخيوط، والخروج من صورته؟