صورة تستوجب الاعتذار - د. أسامه الفرا
يقال إن الصورة بألف كلمة ومقطع الفيديو بألف صورة، ومقطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي بألف منه بعيداً عنها، وفي ظل التطور المذهل في التقنية الرقمية لم تعد الأحداث مهما كانت صغيرة بمنأى عن تأثيرها القوي في صياغة الرأي العام سيما أن نقلها لم يعد بحاجة إلى محترفين في التصوير أو معدات في غاية التعقيد، دوماً ما كنا نمقت المسؤولين الذين تقتصر مشاركتهم في فعالية ما على التقاط صورة لهم أو الإدلاء بتصريح لقنوات التلفزة وعظم الله أجركم، الملاحظ أن الجميع بات يبحث عن الصورة أكثر من غيرها في نشاطاتنا، والواضح أن الصورة ازدادت مساحة الاهتمام بها في ظل تراجع العمل الجاد الذي ينفع الناس، وما علينا الانتباه اليه جيداً أن الصورة الثابتة والمتحركة لم تعد تخضع للتمحيص والتدقيق قبل نشرها كما كان عليه الحال في السابق قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، يضاف إلى ذلك ما تتمتع به من سرعة انتشار تخترق به حاجزي الصوت والضوء، وكون عملية ضبط الصورة اليوم هي أقرب للخيال منه للواقع، فليس أمامنا سوى أن نضبط ايقاع عملنا كي نحاصر به تداعيات الصورة غير المقبولة علينا. نظمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فعالية في مدينة غزة، تم خلالها احراق صورة الرئيس محمود عباس ابو مازن بإدعاء وقف مخصصاتها من الصندوق القومي التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية التي هي عضواً فاعلاً فيها، ومع تداول الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي ارتفع منسوب تبادل الاتهام، ولا أعتقد أنه يوجد إنسان عاقل يقر بهذا السلوك سواء ممن يتفق مع سياسة الرئيس أو حتى ممن هم في موقع المعارضة له، كون الأمر يتعلق بسلوك مرفوض أخلاقياً ووطنياً حتى وإن اختلفنا معه، وبالتالي ما كان على الرفاق في الجبهة الشعبية أن ينزلقوا إلى هذا، وإن كنا نقر بأنه من حق الرفاق في الجبهة الشعبية أن يعبروا عن آرائهم ومواقفهم السياسية دون ضغوط تذكر من أي جهة كانت وبأي شكل من الأشكال، إلا أن حرية الرأي والموقف شيء والسلوك الذي يتنافى مع قيمنا الأخلاقية والوطنية شيء آخر. كنا نتمنى على الرفاق في قيادة الجبهة الشعبية أن يستنكروا ذلك العمل تاكيداً منهم على الضوابط التي تفرضها أخلاقيات النضال، ولن ينقص ذلك شيئاً من حقهم المكفول برفض الاجراء المتعلق بوقف المخصصات من جهة وحقهم في التعبير عن مواقفهم السياسية حيال القضايا المختلفة التي تمر بها القضية الفلسطينية، ألم يكن من الأجدر أن يستوضح ممثل الجبهة الشعبية في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حقيقة الأمر سيما وأن ذلك يتطلب قراراً من اللجنة التنفيذية التي تتواجد فيها الجبهة الشعبية؟ اليس من المعيب علينا أن نترك كرة الثلج تتدحرج دون أن نعمل على تطويق تداعياتها السلبية على الكل الوطني؟ إن كنا نقر بأن مخصصات الأحزاب معمول بها في كل المجتمعات التي تعمل وفق مبدأ التعددية الحزبية، وهي عادة تخضع لمقياس قوة الحزب الجماهيرية وليست على قاعدة المحاصصة، لكن ما لا يمكن لنا فهمه ذلك الانقلاب في قواعد السلوك على أثر وقف مخصصاتها المالية في الوقت الذي غضت فيه البصر عن قضايا جوهرية تهدد مستقبلنا، وإن كنا نقر أيضاً بأنه من حق الجبهة الشعبية التي هي في صلب منظمة التحرير أن تعبر عن مواقفها السياسية حتى وإن اختلفت فيها مع برنامج المنظمة، لكن لا يكفل لها ذلك الخروج عن الاجماع الذي تمثله قرارات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حتى وإن اتفقنا جميعاً على ضرورة الإسراع في اصلاح مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية كحاضنة للكل الفلسطيني. نحن بشر نسير على أديم هذه الأرض ولسنا بملائكة ولا يوجد بيننا من هو معصوم من الخطأ، وكثيرة هي الأخطاء التي باستطاعتنا محاصرة تداعياتها السلبية إن تحلينا بثقافة الاعتذار التي لا تنقص من مقامنا شيئاً، فالاعتذار فيه اكبار لا انكسار.