ميراث النساء- المحامية لونا عريقات *
يعتبر الميراث امتدادا مباشرا ومؤثرا في العلاقات الاجتماعية كافة فهو من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية التي تندرج ضمن الاطار العام والمفهوم الكامل للنظام الاقتصادي الخاص بالمجتمعات كافة، فللميراث كما للملكية وظيفة اجتماعية واضحة تحقق حماية للأفراد ضمن النظام الاقتصادي المعمول به بما يضمن الاستقرار الحياتي ويقوي العلاقات ما بين أفراد المجتمع والأسرة، بحيث يكون هذا النظام منسجما بالقواعد الأساسية لضمانات حماية الأفراد وحماية العلاقات الاجتماعية التي تربطهم ضمن المسؤوليات التي يضطلع بها الأفراد كافة، وبناء على ذلك كان من واجب الدولة أن تعمل على التأكيد على هذا الدور الاجتماعي الخاص الذي تلعبه الملكيات بشكل عام وتوزيعاتها الأسرية ما بعد الوفاة، بما يضمن استمرارية الضمانات المتعلقة بحماية أفراد الأسرة اجتماعيا وتقويتهم اقتصاديا، بما لا يشكل اختلالا في توزيع الأموال ويخلق فجوات اجتماعية لا تحقق العدالة الاجتماعية، كما توضع القيود على الملكيات الخاصة لما فيها من ضمان للصالح العام، يجب تحقيق ضمانات وقيود أخرى تتعلق بسهولة ويسر وصول الورثة كافة إلى حقوقهم الإرثية لما فيه من تحقيق للصالح العام والعدالة في التوزيع.
وبناء عليه لا بد من أن يتركز عمل مؤسسات المجتمع المدني من أجل تحقيق هذه الضمانات، وتنطلق من الإيمان المطلق بأهمية تمكين النساء اقتصاديا لما ينتج عنه من تمكين اجتماعي وحقوقي على صعيد حياتهن اليومية، حيث إن النسب التي تطالعنا في فلسطين من تركيز للفقر في العائلات التي تعيلها النساء تؤكد أهمية التمكين الاقتصادي للمرأة وما يشكله من أمل في القضاء على الفقر في فلسطين، حيث أصبح الوصول إلى الحقوق الاقتصادية واجبا ولزاما على الدولة تحقيقه للنساء لما تشكله الثقافة السائدة والعقلية الذكورية في المجتمع الفلسطيني من معيق للوصول إلى الحقوق التي تم سنها قانونا، فالعملية تكاملية لا تتعلق فقط بإقرار الحق وإنما تتعلق بالمسؤولية الكاملة عن وصول أفراد المجتمع إلى الحق دون تمييز بينهم، بما يحقق رغبة الدولة الفلسطينية في الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي قامت بالانضمام إليها ويضع على عاتقها واجب تحقيق العدالة والوصول للحقوق لجميع مواطنيها، وبناء عليه تم التفكير بوضع آلية حكومية تساهم في تعزيز وصول النساء إلى حقوقهن الارثية بحيث تحقق توجهاتنا المؤسساتية والحكومية من أجل مساندة ودعم النساء، تتشكل هذه الآلية كاملة ضمن منظومة مقترحة داخل وزارة العدل الفلسطينية كجهة غير قضائية تنسيقية تشكل الخطوة الأولى في مساندة ودعم النساء المتوجهات لهم، وتعمل كجهة وكيلة عن النساء في المتابعات المتعلقة بالحقوق الارثية بالتنسيق المباشر مع المحاكم الشرعية المختصة في الأمور الإرثية، والجهات الأخرى التي تمتد إليها تركة الميت مثل سلطة الأراضي والمالية والمواصلات ....الخ، بما يضمن بشكل أساس الحقوق مع الحد من حرمان النساء من هذه الحقوق ويضع الدولة في خط المواجهة الأساسي أمام باقي أفراد الأسرة ويحقق ضمانا أكبر لاستمرارية استقرار العلاقات الاجتماعية الجيدة داخل العائلة، بحيث أن جميع الحصص ستكون معلومة مع قيمتها وماهيتها لكل لورثة وللجهات التي تتعلق بالتركة أيضا.
إن المطالبة بوجود دائرة للميراث يحقق المصلحة العامة للمواطنين كافة حيث تسعى هذه الدائرة لحماية الفئات الأضعف داخل حلقات علاقات القوة في المجتمع، فهي لا تخدم النساء فقط وإنما تخدم الفئات الأخرى التي يتم استثناؤها أو التحايل عليها لحرمانها من حقوقها الارثية المقرة قانونا وشرعا لهم، فالميراث بأحد معانيه اللغوية يعني البقاء، فالميراث وجد لبقاء وامتداد كل أفراد العائلة دون تمييز بين الإناث والذكور، هذه الفكرة المتمثلة في انشاء دائرة تنفيذ احكام الميراث تضع على عاتقنا كمراكز حقوقية ونسوية، كما تضع على عاتق الدولة المسؤولية في تطوير وتحسين البيئة الاجرائية والقانونية والاجتماعية لتحقيق المساواة في الوصول للحقوق المقرة في القوانين المطبقة في فلسطين، ولتضع أمامنا التحديات بتطوير التوجهات الفكرية والمطلبية للوصول للعدالة والمساواة الاقتصادية بما فيه من تمكين أكبر لنسائنا الفلسطينيات وربط وجودنا على الأرض بتعزيز قيم العدالة والمساواة.
----------
* مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي