الانتخابات بين شرعنة التكلس وبوابة التغيير - حسن سليم
الانتخابات في الاتحادات والنقابات، كما هو حالها في الأحزاب والفصائل، لم تنجح حتى اللحظة في احداث التغيير المنشود، وإفراز قيادات جديدة، ولا أقول شابة، كون سن الشباب ما زال موضع اختلاف، بل قابل للاجتهاد وفق قانون البعض. الانتخابات بوجهها الحالي، التي جرت وتجري لعموم الهيئات، ليست المطلوبة، كونها لم تستطع أن تكون رافعه فاعلة لتحقيق الديمقراطية، وضامنة للمشاركة، كون حقيقة ما يجري في كثير منها أداة لشرعنة التكلس لهيئاتها، حيث النتيجة محسوبة سلفا قبل إجرائها، سواء بفعل سطوة اعضاء هيئاتها، او بفعل عدم جاهزية اصحاب الحق بالترشح، الذين لم يأخذوا الفرصة، ولم يحصلوا على التأهيل ليكونوا يوما في تلك المواقع، بل تم عزلهم. الانتخابات التي تشكل احد ابرز مظاهر المجتمع الديمقراطي، لم تكن يوما هدفاً بحد ذاته، بل هي آلية لتحقيق مقاصد أعلى، أو لتؤدي وظائف فعلية، وهي فرصة للاجيال ان تتسلم الراية ممن سبقتها، وفق قانون او نظام، ووفقا لثقافة تجعل أمر التداول مقبول، بل محبب، كونه يخدم مفهوم الشراكة من قبل الجميع في تحمل المسؤولية، وليس تكريس تقسيم المجتمع الى سيد وعبد، الى ما شاء الله، حيث أن القاعدة الديمقراطية، كما يقول جوزيف شومبيتر " تقوم على أساس عدم احتكار السلطة من جماعة واحدة، أو حزب واحد ولمدة طويلة"، وما ينطبق على سلبيات احتكار جماعة للسلطة، ينطبق أيضا على احتكار وتمسمر أشخاص في مواقع السلطة. ورغم أهمية دورية وانتظام عقد الانتخابات، بصفتها استحقاق، وكونها إحدى الأدوات التي يُعول عليها لانسياب الخبرات، وتسهيل دخول دماء جديدة للهيئات، إلا أن متطلبات عديدة لا بد من توفرها، لتتحقق الرسالة من إجرائها، وحتى لا تكون مجرد باب دوار، لعودة من كان، الى حيث كان، ولكن بعقد جديد دون تغيير في مضمونه، حيث إن أي انتخابات لا تكون قائمة على ثقافة تداول السلطة، ولا يؤمن فيها من يتربع في صدارة هيئاتها بضرورة إفساح المجال لدماء جديدة بالحلول مكانهم، بعد أن يكون قد تم تهيئتهم، وإعداد وتدريب وتأهيل، بما يسهم في تجديد الحيوية في المجتمع، ويسهم في تعزيز وضمان مشاركة عناصر جديدة، ودخولها لهيئات الحكم والقيادة للهيئات والأحزاب والمؤسسات السياسية، لن تستطيع بسببها تلك الانتخابات أن تفتح الباب، ولن تمكن أي جيل جديد بالظهور، واخذ فرصته، بل ستكرس حالة التكلس في هيئاتها، وستبقي على الانتخابات مجرد عادة لتجديد البيعة. وليس أدل على حالة التكلس في الهيئات، مما هو قائم في العديد من الأحزاب والفصائل، بشتى ألوانها السياسية، ومشاربها الفكرية، حتى الليبرالية منها، وكذلك ما هو قائم في الاتحادات والنقابات، التي مر على وجود قادتها في الهيئات القيادية ما يزيد على ثلاثة عقود، ومنها اكثر من اربعة عقود، دون تغيير يذكر، ودون السماح لاي اختراق ان يحدث، بدعوى أن الموجودين هم من المؤسسين، ولا يمكن الاستغناء عنهم، وتلك حجة واهية، حيث ان الكثير من الأفكار الإبداعية تعالج تلك الحجة، والأخذ بها يمكن الاستفادة من خبرات المؤسسين وتجاربهم - ليس المطلوب اقصاءهم - كمجالس الحكماء في الأحزاب، ومجالس استشارية، ومجالس الأعيان في الدول، وغيرها من الأشكال، التي لا تتعارض مع تسهيل دخول دماء جديدة، بل تشكل ضمانة مهمة لانجاحها. ان مسيرة الاصلاح ونوال اهدافها بحياة ديمقراطية في هيئاتنا ومؤسساتنا، التي يطمح اليها كل منا، تتناقض مع الانتخابات بشكلها الحالي، وفقا لرأي الباحثة هنادي الطريفي، وبأنها اصبحت اقرب لأن تكون واجهة يختبىء خلفها كل من يريد الالتصاق بمنصب أضحى إداريا وظيفيا أكثر منه خدماتيا أو سياسيا خادما، وهذا التناقض بعينه، بين استخدام الانتخابات كوسيلة ديمقراطية لتداول السلطة وتوسيع رقعة المشاركة، وبين استخدامها وسيلة للبقاء وشرعنة التكسب. أما واقع الاحزاب والمنظمات والاتحادات، وما تعانيه من تزاحم في الكادر والكفاءات، بسبب تجمد الحياة الديمقراطية الحقيقية في داخلها، انما يتطلب اليوم الإمعان في تحليل واقعها، والوقوف على أزماتها وحجم التشوهات التي أصابت هياكلها، بدلا من التغني بعبارات التمجيد، لأيام مضت، وبحكم التغيرات اليومية التي اصبحت تشكل ضاغطا تحتاج للتعامل معها بواقعية، وبرؤية مقنعة، بعيدة.