وداعا ابو عبد الله - عمر حلمي الغول
غيب الموت في الثامن عشر من نيسان الحالي القائد الوطني الكبير الصديق عثمان ابو غربية. وكأن الموت أبى إلا ان يذكرنا بقسوة وشدة شهر نيسان على الوطنية الفلسطينية، لا سيما انه اختطف قبل ثمانية وعشرين عاما أمير الشهداء، خليل الوزير، وقبل ذلك في سبعينيات القرن الماضي القادة الثلاثة: الكمالين وابو يوسف النجار وقبل ايام العقيد فتحي زيدان وغيرهم من الابطال. او كأن الشهيد ابو عبد الله شاء اللحاق بركب الشهداء الميامين، ليلبس الربيع وشاحا أسود، كي يلونه بالوان العلم الفلسطيني، الذي تكتمل الوانه بخضرة الارض وازهار الحنون وشقائق النعمان. ترجل عثمان ابو غربية عن مسرح المشهد السياسي، تاركا خلفه تراثا غنيا فكريا وسياسيا وثقافيا ونضاليا. أغنى تجربة الكفاح الوطني في كافة المواقع، التي احتلها، وترك بصمات ناصعة أينما حل. وكان ابن الخليل والقدس والكل الفلسطيني أحد صمامات الامان للقرار الوطني. حيث دافع بضراوة عن المشروع الوطني، وشكل احد روافع الوحدة الوطنية، لانه كان جسرا في المحطات المختلفة من النضال الوطني، التي شهدت احتداما بين المواقف المتعارضة لفصائل العمل الفلسطيني. احتلت القدس موقعا اساسيا في جهود ابو عبد الله، فكان الامين العام للمؤتمر الشعبي للقدس، وسعى خلال سنواته الاخيرة بكل ما يملك من طاقة كفاحية لتسليط الضوء على عاصمة فلسطين الابدية ومعاناتها وهموم ابنائها، وحمل رايتها في المحافل كافة، ونجح في انتزاع قرار كي تكون القدس عاصمة الثقافة العربية والاسلامية الابدية، وأصدر مجلة لمتابعة شؤونها وقضاياها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية والعمرانية. وطرق مع طواقم العمل المساندة له كل الابواب لتبقى قضية القدس حاضرة بقوة في المحافل والمنابر الوطنية والقومية والاسلامية والامميةـ لادراكه ان لا دولة فلسطينية دون القدس العاصمة، وتجسيدا لقرار القيادة الشرعية بالدفاع عنها دون هوادة. لا سيما ان دولة التطهير العرقي الاسرائيلية عملت خلال سنوات الاحتلال الخمسين الماضية على طمس هويتها الفلسطينية العربية، وسعت لتهويد تاريخها كي تتمكن من ضمها عبر تنفيذ مخططها الاستعماري لسلخها عن محيطها الفلسطيني. كما تميز الفريق عثمان ابو غربية بعلاقاته الواسعة مع المناضلين من مختلف المدارس الفكرية والسياسية والتنظيمية. وحرص بهدوئه ووحداويته على التشبيك مع الكل الوطني وفي كل الارض الفلسطينية وفي الشتات. كان دمث المعشر. لكنه لم يحد يوما عن مواقفه السياسية، ولم يجامل احدا في الدفاع عن خياراته الوطنية والقومية. وبقدر ما كان شديد الانتماء لهويته الوطنيه، بقدر ما كان عميق الانتماء لقوميته العربية. وعكس ذلك عبر مسيرته الكفاحية من خلال التواصل مع الشخصيات والقوى القومية العربية. غادرنا القائد عثمان ابو غربية، وترك مسرح الحياة بعد سبعة عقود من الكفاح والمثابرة العالية للدفاع عن الهوية والشخصية الوطنية. لكنه باق بيننا بإرثه ومبادئه وقيمه الوطنية والقومية والانسانية. وداعا ابو عبد الله، نم قرير العين لا تخشى على القدس، رغم شراسة الهجمة الاستعمارية عليها، لان حراسها المرابطين من ابنائها وابناء فلسطين عموما، لن يسمحوا للمحتل الاسرائيلي البغيض تنفيذ مخططه الكولونيالي، وسيتصدون له بكل ما ملكت ايمانهم من إرادة الكفاح التحرري، وسيصنعون السلام العادل والممكن مع رفع زهرة او شبل من اشبال فلسطين علم الحرية والاستقلال على اسوارها وفوق مآذن مساجدها وقباب كنائسها.