خيط حرير وسلك فولاذ - يحيى رباح
التحية والمجد لروح المناضل والقائد الفتحوي والوطني عثمان ابو غربية "ابو عبد الله" الذي فاجأنا رحيله مع علمنا المسبق انه كان يصارع المرض، لكن الأشخاص الذين نحبهم وحضروا في حياتنا بقوة لا يمكن ان نضع رحيلهم في خانة العادي، فسرعان ما تنثال الذكريات عن قضية حملنا شغفها العادل المقدس في كل الدنيا، وسرنا معها في كل الدروب، وشكلت لنا طوال السنوات منابع الفرح ومنابع الحزن وظلت بالنسبة لجيلنا شمسها التي لا تغيب، نغيب نحن بشكل فردي أو جماعي، نرحل بشكل عادي أو تراجيدي مثل ابطال الأساطير، اما هي فلسطين فانها أبدا لا تغيب، ولذلك فعندما جاء الخبر، سارعت مع زوجتي الدكتورة فاطمة رباح الى البومات الصور لنستعين بذاكرة الالبوم على اجتياز اللحظة الخانقة، صور كثيرة نادرة في مواقع كثيرة ومدائن كثيرة، وعصافير النار في رحلة القيامة المستمرة. لا أعرف متى التقيت عثمان ابو غربية اول مرة، فهو من النوع الذي يوحي لك بأنك تعرفه منذ الازل، وجه جميل حميم، واخلاق راقية، وقوة انتماء بلا حدود، استمرت رحلته الطويلة مع فتح بين مسارين متكاملين، حضوره في العمل العسكري كمفوض سياسي في تجربة رائدة ومميزة وخطيرة ايضا في الاردن وسوريا ولبنان وصولا الى تونس وكل الجهات الاربعة، وحين كانت المسافة الاختيارية او القسرية مفتوحة على كل الاماكن وعلى كل الاحتمالات اما المسار الثاني فقد انطلق من مكتب التعبئة والتنظيم حارسا قويا على فقه فتح التنظيمي كمثقف ومنظر سلس في الوقت نفسه، مضيفا انجازات وصداقات بفرح، ومتلقيا الصعوبات في صمت مشاركا في كل الجولات على قاعدة الأمل، مواجها التجنحات والانحرافات، والطموحات غير المشروعة بأن فتح تعني فلسطين وان الذين يريدونها غير ذلك يسقطون في الوهم والمكابرة والنسيان. ومثل كل ابطال المسيرة، وجنود الوفاء، فانه كان دائما على حافة الخطر وحافة النجاة، واعتقل عدة مرات ونجا عدة مرات ولكن حلمه لم يتبدل، وظل في اخلاقه الفتحوية كخيط من حرير، وفي يقينه الفتحوي كسلك من فولاذ، يجيد الحوار مع الآخرين في مدرسة الكوادر، يحاور المقاتلين في قواعدهم لأن البندقية بلا فكر هي قاطعة طريق، يتسع صدره الى قانون الاختلاف وينفتح قلبه لقانون المحبة ويستعين بالأمل على جهامة المستحيل. يرحم الله اخي وصديقي عثمان ابو غربية، ترك موقعه في اللجنة المركزية، وفي المؤتمر الشعبي للقدس، ولكن الفراغ الاكبر الذي تركه في القدرة على الفهم ومساحة الحوار.