ربيحة ذياب - عيسى عبد الحفيظ
غيب الموت البارحة السيدة ربيحة ذياب المناضلة المخضرمة، التي كانت نزيلة معتقلات الاحتلال منذ شبابها المبكر، هذه السيدة السمراء النحيلة العنيدة في وجه الاحتلال البغيض، خاضت تجربتها معه في أواخر الستينيات مباشرة بعد احتلال القسم المتبقي من فلسطين التاريخية. لم يثنها ذلك عن متابعة النضال، فاعتقلت مرة أخرى عام 1976 لثلاث سنوات، وأيضاً لم يستطع الاحتلال ثنيها عن طريق النضال، فتم اعتقالها للمرة الثالثة عام 1981 وحكمت خمس سنوات قضت منها أربع سنوات وبعدها حكم عليها مرتين بالاقامة الجبرية. مثال في التواضع وقريبة من هموم الناس، بل كانت على تماس دائم مع كل من يشتكي، فتهرع للمساعدة ما استطاعت. زرتها مرة واحدة وهي على رأس وزارة شؤون المرأة، وكانت القضية تتعلق بالسيدة أم محمود من سكان القطاع، وبعد شرح حالتها للأخت أم وعد – رحمها الله- طلبت رقم هاتفها واتصلت بها أمامي مرسلة اليه التحيات من الشطر الآخر من الوطن وأخذت على الهاتف كل التفاصيل واعدة ببذل كل جهد للمساعدة، وعند خروجي من مكتبها أصرت على مرافقتي الى باب المصعد. يقال ان لا مشكلة مع المناضلين ولا مع المناضلات، فهم من يسكنون ذاكرتنا الوطنية والشخصية. ذهب عمرها القصير بين المعتقلات وساحات النضال وتربية الاولاد والمساهمة بأكثر من طاقتها بكل عمل وطني. دأبت على نشر الوعي لدى النساء الرئيسيات في المؤسسة، فكانت تعقد الدورة تلو الأخرى لرفع الوعي، وتثبيت المبادئ الوطنية، وتبيان دور المرأة الفلسطينية حارسة نارنا المقدسة. لم يمنعها الاعتقال من اتمام التعليم، ولا من التقاعس عن أداء واجب الزوجة والأم والمناضلة، فقد كانت ترى أن هذه الامور مجتمعة تصب في اتجاه واحد هو التحرر من ربقة الاحتلال. أسرة مناضلة وقرية معطاءة وهبت خيرة شبابها للوطن أذكر منهم الشهيد لبيب (هواري) مسؤول الأمن الخاص في حركة فتح، أنشأت فقيدة الوطن وحركة فتح وحركة التحرير الفلسطيني والعربي جيلاً من البنين والبنات سواء خاصتها أو في قرى رام الله الكثيرة ملتزماً بالقضية، وكم كنت سعيداً حين طلبت مني مرة أن أساهم في محاضرة حول حركة فتح في مقرها، وعندما دخلت الى القاعة كانت نساء تجاوزت الخمسين والستين يجلسن بثيابهن المزركشة مع صبايا فلسطين اليافعات. ذهبت أم وعد هكذا فجأة وكعادة الموت الذي لا يستأذن احداً، ولكن ذكراها ستبقى حية في قلوب كل من عرفوها ولمسوا ذلك التواضع الثوري، وذلك الاحساس الوطني الذي دفعت من اجله أم وعد سنيناً من عمرها القصير. قاتلت في سبيل حقوق المرأة، لكنها حافظت على دورها في تربية النشأ وغرس الروح الوطنية في الأجيال، لم يكن لها هدف آخر سوى توحيد جهود الرجل مع جهود المرأة من اجل الوطن من أجل فلسطين. عاشت من اجل القضية، وبقيت وفية لمبادئها حتى فارقتنا هكذا فجأة في هذه المرحلة الصعبة والحساسة والتي نحن أحوج ما فيها الى امثال المناضلة الراحلة أم وعد ربيحة ذياب. لعائلتها ولأولادها ولكل المناضلين والمناضلات أقول تغمدها الله بواسع رحمته وأسبغ عليها الغفران ولأهلها ولحركة فتح ولكل من عرفها.