ساندرز المختلف - عمر حلمي الغول
في زمن التسابق بين المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين للرئاسة الاميركية على كسب ود إسرائيل وأنصارها في مراكز النفوذ خاصة "الايباك" اليهودي، خرج المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز عن الخطاب الاميركي السائد، رغم انه من اتباع الديانة اليهودية، وقال ما يجب ان يقوله اي مرشح للرئاسة دون تحيز واسترقاق كالعبيد لاموال واصوات اليهود الصهاينة. لم يخشَ ساندرز السوط اليهودي، وتصرف كرجل سياسة صاحب رأي، يعمل ويرغب في إنقاذ إسرائيل والسلام والفلسطينيين من استعمارها الوحشي، لذا لم يجامل ولم يخضع لابتزاز اي جهة، بل صرح بقناعات رجل السياسة الشجاع. اولا: انتقد المرشح، الذي قد لا يحالفه الحظ في تبني الحزب الديمقراطي له، حرب إسرائيل على قطاع غزة، واعتبرها "حربا غير متكافئة". ثانيا: دعا المرشحين، إن كانوا معنيين بالسلام على المسار الفلسطيني الاسرائيلي، "أن يكونوا منصفين، ويعاملوا الطرفين بالقسطاس. ويعملوا من اجل تحقيق حل الدولتين، الذي سيخلص الفلسطينيين من الاهانة" والاحتلال. ثالثا: انتقد منافسته المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، بسبب مواقفها من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. واتهمها بانها تكرر ما يقوله نتنياهو وتتملق "ألايباك". اي انه اعتبرها كالببغاء تستجدي "رضى" زعيم الائتلاف الاسرائيلي الحاكم وبشكل مهين. بغض النظر ان نجح ساندرز ام لم ينجح في تبني الحزب الديمقراطي لترشحه، امتلك الشجاعة والكفاءة في قول ما يفترض ان يقال. ورفض وضع رأسه في الرمال، إسوة بالمرشحين الآخرين من الحزبين. وهو ما يعني ان الساحة الاميركية لم تعد تماما كما تريد دولة التطهير العرقي الاسرائيلية. اي أن هناك صوتا آخر، وصوتا قويا، وليس صوتا هامشيا، رغم تفوق كلينتون عليه في أكثر الولايات بما في ذلك نيويورك موطن وموقع عضويتهما في مجلس النواب. نعم هناك قصور سياسي في الشارع الاميركي نتيجة التضليل، الذي يعممه اليهود الصهاينة وانصارهم في الولايات المتحدة الاميركية. والذي تجلى مؤخرا في إستطلاع، أظهر تخلفا بائسا في الوعي الجمعي الاميركي تجاه قضية الصراع العربي الاسرائيلي، حيث ذهبت نسبة لا بأس بها إلى الاعتقاد، بأن الفلسطينيين هم، الذين "يحتلون" إسرائيل؟! غير ان هذا الخلل يمكن معالجته تدريجيا عبر تعزيز مواقع اشخاص من امثال ساندرز في اوساط الشارع الاميركي، وايضا إذا ما تنامى دور العرب والمسلمين في اوساط الشعب الاميركي، وساهموا بتعميم الرواية الفلسطينية العربية للصراع، ونشروها على حقيقتها، واماطوا اللثام عن وجه إسرائيل كدولة مارقة وخارجة على القانون، وناهبة لجيوب دافعي الضرائب الاميركان نتيجة تواطؤ انصارها المتنفذين في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية والاعلامية والعسكرية الاميركية. مواقف المرشح الديمقراطي للرئاسة، تعتبر سابقة مهمة في سجل مواقف المرشحين الاميركان. لأنه تميز عن غيره بالادراك العميق للسياسة الخارجية المسؤولة، ورفض مداهنة إسرائيل والتساوق مع سياساتها الاستعمارية والمعادية لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من جزيران عام 1967. وهو الموقف، الذي يفترض ان ينتصر ويعمم في الشارع الاميركي. لأنه حين يصل إلى ما اعلنه ساندرز، فإنه يمكن الرهان على بلوغ خيار السلام، وخلق بيئة سياسية مناسبة للتعايش وتطور شعوب ودول المنطقة وحماية السلم الاقليمي والعالمي. نعم لساندرز الديمقراطي. ولا كبيرة للمرشحين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي كافة. لأنهم تناسوا دورهم المنوط بهم، وغلبوا الحسابات الضيقة على حساب ومصالح شعوب الارض خاصة آخر شعب ما زال واقعا تحت نير الاحتلال الاسرائيلي، الشعب الفلسطيني. وتساوقوا مع منطق وخيار الجلاد المحتل الاسرائيلي لقاء ثمن بخس، بعض ملايين من الدولارات ومجموعة من الاصوات واعلان لحملاتهم الانتخابية، مقابل تقييد دورهم وحريتهم في اتخاذ اي قرار يتناسب ويتوافق مع مصالح الشعب الاميركي الحيوية. سيبقى الرهان على إمكانية التغير في المزاج العام الاميركي، رهانا واقعيا مع وجود قادة امثال ساندرز.