حوار لا نعرف الكثير عنه - د. أسامة الفرا
بين فترة وأخرى تأخذنا المباحثات التركية الاسرائيلية إلى حيث لا نعلم، الواضح أن تقدماً كبيراً طرأ عليها في الأسابيع الماضية، فيما يعتقد البعض أنها باتت في لمساتها الأخيرة التي تسبق الاحتفال بعودة العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه سابقاً إن لم يكن أفضل مما كانت عليه، تركيا وضعت شروطاً على طاولة المفاوضات مع دولة الاحتلال، تمثلت في الاعتذار عن حادثة مرمرة وتعويض الضحايا الذين سقطوا على ظهر السفينة ورفع الحصار عن غزة، تلك كانت الشروط المعلنة للحكومة التركية، وسبق لرئيس حكومة الاحتلال "نتنياهو" أن اعتذر عن حادثة مرمرة، ولا أعتقد أن مبلغ التعويض للضحايا شكل حجر عثرة أمام التوصل إلى إتفاق يتم بموجبه عودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين، وبالتالي إن سلمنا جدلاً بأن العلاقات بينهما وصلت حد القطيعة على اثر حادثة مرمرة، وأن عودتها مرتبط بتلبية اسرائيل لشروط تركيا المعلنة دون ان يكون هنالك أي مطالب لحكومة الاحتلال، فهذا يقودنا إلى أن رفع الحصار عن غزة هو حجر الزاوية الذي أعاق التوصل إلى اتفاق خلال الفترة السابقة، وعلى فرض كل ذلك يبقى السؤال المهم ما هو المفهوم التركي لرفع الحصار عن غزة؟. مؤكد أنه ليس هناك فلسطيني عاقل لا يتمنى أن يصحو من النوم ليجد غزة دون حصار، وأن تعود بواباتها للحياة أمام المواطنين والبضائع، وأن يعمل معبر رفح على مدار الساعة، وأن يستعيد المطار صورته من بين الأنقاض، وأن نستمع لصافرات السفن وهي تقترب من ميناء غزة، وأن يصل الى غزة كل من يرغب في ذلك دون الحاجة إلى موافقة مسبقة من حكومة الاحتلال قد يعجز في الحصول عليها وزراء دول وازنة في السياسة الدولية، ولا يكون بمقدور حكومة الاحتلال منع لجان التحقيق التي شكلت بقرارات من المنظمات الدولية للتحقيق في الجرائم التي ارتكبها الاحتلال خلال حروبه المتكررة على غزة من الوصول إليها، وأن تنشط مرة أخرى وفود التضامن الأجنبية، وأن تفي الدول المانحة بتعهداتها التي قطعتها على نفسها لإعادة إعمار غزة دون الحاجة لأن نلهث خلف كيس الأسمنت الذي قيدت خطة سيري حركته، لا شك أن غياب كل ذلك يذكرنا بأن قطاع غزة ما زال تحت الاحتلال، وأن ما فعله شارون عام 2005 لم يكن سوى تفكيك للمستوطنات في القطاع وإعادة تموضع لقوات الاحتلال. الملفت للانتباه أن تركيا تدير حوارها مع حكومة الاحتلال دون مشاركة فلسطينية حقيقية، ومن حقها أن تفعل ذلك فيما يتعلق بشروطها المعلنة وغير المعلنة الخاصة بها، ومن حقها علينا أن نثمن موقفها وحرصها على رفع الحصار عن غزة، وفي الوقت ذاته من حقنا عليها أن نفهم أولاً ما الذي تفكر به لرفع الحصار؟، وهل يتوافق ذلك مع تطلعاتنا؟، الواضح أن رفع الحصار عن غزة في حوار تركيا مع اسرائيل يتعلق بأمرين، الأول ميناء في غزة، وهو بحد ذاته مطلب فلسطيني لكنه يفرض علينا جملة من التساؤلات، هل الأمر يتعلق بميناء حقيقي يحق للأفراد التنقل من خلاله بحرية دون الحاجة لموافقات مسبقة من قبل الاحتلال، وهل تتكفل اتفاقية الميناء بحرية حركة البضائع دون أن يكون هنالك قائمة طويلة بالممنوعات أسوة بما هو معمول به في المعابر؟، وهل يمكن لنا من خلاله أن نستورد البضائع من حيث أردنا أم سيرغمنا على التعامل مع المنتج التركي دون سواه؟، وهل هو ميناء أم مجرد ممر مائي؟، وإن كان كذلك فأين يبدأ واين ينتهي؟، ومن الجهة التي ستتولى الإشراف عليه؟، وهل سيكون للاحتلال دوراً في ذلك يمكن أن ينفذ من خلاله لإغلاقه تحت حجج واهية؟، وإن كان دور الاتحاد الأوروبي المراقب في اتفاقية المعابر سبب لنا الكثير من الامتعاض فهل سيكون من اليسير علينا تقبل جهات أقل حيادية منه في التواجد في الميناء سواء كان ذلك تحت مفهوم الاشراف أو الرقابة؟. وأما ألامر الآخر المتعلق بفكرة تزويد قطاع غزة بالكهرباء من خلال سفينة تربض في عرض البحر، فهذا يحتاج الى توضيح حول الجانب الإقتصادي والتقني المتعلق بها، كي لا نجد أنفسنا مستقبلاً في ورطة أخرى لا تقل عن ورطة سعر تكلفة الكيلووات المنتج من شركة التوليد بالقطاع، مؤكدا أن جملة التساؤلات لا تهدف إلى التقليل من جهد تركيا لرفع الحصار عن غزة والذي هو محط تقدير، انما تهدف بالمقام الأول لضرورة التفكير بصوت مرتفع وكي لا نبقى "شاهد ما شافش حاجة".