بيرزيت تفكر داخل الصندوق
رامي سمارة وإيهاب الريماوي
على الدرجات المفضية إلى مجمع الطلبة "مبنى راشد آل مكتوم"؛ أوصى أحدهم زميلته بأن تحث صديقتيها على انتخاب الكتلة التي ينضويان تحت لوائها، وفي الداخل اثنان يراجعان كراساً طبعت فيه أسماء مؤيدي كتلة أخرى، يضعون علامة بجانب أسماء من قاموا بالتصويت، وبجانبهم، قال آخر: "ها أنا اتفقت مع الاستاذ على تأجيل المحاضرة، فانتخبوا كتلتنا".
نسمة طالبة الصحافة في السنة الثانية تجلس وحدها على إحدى طاولات المجمع، بدا أنها لا تكترث كثيراً بما يجري في الخارج، إلى أن بدأت الحديث عن أهمية هذا اليوم بالنسبة للطلبة كافة.
هي خاضت تجربة الانتخاب للمرة الثانية، رغم أنها لا تثق بالوعود التي تقدمها الكتل الطلابية المتنافسة على مقاعد مجلس الطلبة خلال فترة الدعاية الانتخابية.
"قمت بالتوصيت لمن يستحق رغم أنني لا اؤمن ببرامج الكتل الطلابية. الانتخابات مرحلة هامة حتى في الحياة الأكاديمية، يجب على الطالب أن يختار من سيحقق له مصالحه ويلبي أهدافه. المنافسة تخلق جواً رائعاً" قالت نسمة.
في الخارج تقف جامعة بيرزيت على قدم واحدة في يوم انتخابات مجلس الطلبة الذي يخلو مبناه من مرتاديه، سوى قلة يقومون بطباعة وتصوير أوراق تخص شأنهم الأكاديمي، وأمام المجلس الحركة لا تتوقف، طلبة يغدون وآخرون يعودون، وتجمعات الطلبة تتمدد أمام مراكز الاقتراع.
أمام قاعة كمال ناصر إحدى مراكز الاقتراع الخمسة في الجامعة، ينتظر غسان دوره ليدلي بصوته الذي قرر أن يمنحه للكتلة القادرة على تقديم خدمات نقابية للطلبة.
طموح غسان طالب السنة الأولى في كلية التجارة ينصب نحو مجلس طلبة نقابي وليس خدماتي، قادر على خفض أسعار الأقساط و"الكافتيريات" والتدخل لدى الإدارة لتمكين الطلبة من التسجيل، لذلك فإن الوعود الانتخابية لا تستهويه كثيراً "خاصة أن معظمها يذهب أدراج الرياح" حسب ما يعتقد.
ميس طالبة السنة الثالثة في تخصص إدارة الأعمال تعتقد أن الاقتراع يمثل نوعا من المشاركة في صنع القرار داخل أسوار الحرم الجامعي، و"لولا الحركات الطلابية لانفردت الإدارة بمصير الطلاب".
كل الكتل الطلابية هدفها تقديم الخدمات للطلبة حسب اعتقاد ميس، التي دعت زملاءها إلى إبداء المرونة في التصويت وعدم التصلب وراء كتلة معينة، خاصة إذا ما كان برنامجها لا يتفق مع التوجهات الأكاديمية.
يغادر ثائر المتوقع تخرجه من كلية الحقوق؛ مبنى التجارة، هناك صوّت لآخر مرة في انتخابات مجلس الطلبة، تجاربه السابقة تدلل على أن هناك الكثير من الكتل الطلابية التي تهتم بالعمل لصالح الطلبة، لكنها تصطدم بجدار سوء الإدارة والتنفيذ.
يختلف ثائر مع "السوداووين" الذين يقللون من أهمية ما تتضمنه البرامج الانتخابية، رغم إقراره بصعوبة تنفيذها كلها.
"ليس كل الوعود يتم تحقيقها، لكن يتم العمل من أجلها، هنالك كتل تريد أن تعمل لكن لا يوجد من يديرها بالشكل الصحيح. ممثلو الكتل الطلابية لا يملكون الوعي الكافي لإدراك كبر حجم بعض الوعود التي يتعهدون بتنفيذها".
إلا أن رئيس مجلس الطلبة السابق ضياء قنداح يصر على أن السنوات بعد عام 2008 شهدت زيادة في وعي الطلبة نحو الوعودات والشعارات التي تطرحها الكتل المتنافسة، رغم الاختلاف في واقعية ما تطرحه الكتل من برامج.
"الكتل أصبحت حذرة بما تطرحه وتقدمه للطلبة، كونها حركات طلابية تتصرف وفق إمكانيات وفضاء محدودين، ويمكن أن تحول الكثير من الظروف السياسية والاجتماعية والمادية دون تحقيق الأهداف". قال قنداح.
أهداف الحراك الطلابي بين الأمس واليوم اختلفت بالنسبة لإياد البرغوثي رئيس أول مجلس طلبة في جامعة بيرزيت بعد أن تم تحويلها من كلية، كما أنها لم تكن هي ذات التوجهات التي سعت لتحقيقها كتل طلابية نشطت في الكلية قبل عام 1974.
"في الماضي لم يكن مجلس الطلبة مسيساً ولا سياسياً، كان يضطلع بتنظيم ورعاية نشاطات ثقافية ورياضية واجتماعية، ومنذ عام 1973 أخذ المجلس منحى آخر بهدف إقحام الجامعة في الهم الوطني العام، في ذلك الوقت لم تكن فصائل منظمة التحرير تعمل بشكل علني، كانت هناك تكتلات وطنية تتمثل في أنصار اليسار والإسلاميين، وأيضاً كان هناك تكتل يدعم توجهات إدارة الجامعة سمي في ذلك الوقت "حزب الإدارة" ، وكان يتبنى توجهات الفصل بين العلم والسياسة".
"انتخابات بيرزيت كثيرا ما قيل إنها المؤشر الأقرب لصوت الشارع وتوجهاته، ولكن أقول للحركات الطلابية إن فلسطين أكبر من ذلك، عودوا واهتموا بالثقافة الوطنية والإنسانية والتعليم، وبالتأكيد لا تنسوا الهمّ الوطني ولكن لا تجعلوه يطغى على الدور المناط بكم".قال البرغوثي.
تشكل أول مجلس طلبة في جامعة بيرزيت عام 1974 من 7 أعضاء، 3 للجنة السكرتاريا (رئيس، ونائب رئيس، وأمين سر) وأربعة أعضاء.
ولم يكن في الفترة الممتدة بين عام 1974 حتى 1982 أي أطر طلابية رسمية، آنذاك وفق فضل الخالدي مساعد عميد شؤون الطلبة في جامعة بيرزيت.
كان اليسار الفلسطيني والحزب الشيوعي هو المسيطر على الحركة الطلابية في الجامعة، والانتخابات تجرى من خلال التصويت لأسماء الأشخاص وليس لكتلة بعينها، وكل اسم كان يمثل حزبا يتبع له.
في عام 1982 أعلن عن تشكيل الأطر الطلابية، وكانت امتدادا لفصائل منظمة التحرير، بما فيها الشبيبة الطلابية وجبهة العمل الطلابي وكتلة اتحاد الطلبة، "تلك الفترة امتازت بالوعي السياسي بين الطلاب، وكان معظمهم من أصحاب التجارب النضالية" حسب الخالدي.
وفي عام 1985 تأسس أول مجلس للطلبة بقيادة "الشبيبة" ترأسه في حينه سمير صبيحات، تبعه مجلس آخر قاده القيادي الأسير مروان البرغوثي عام 1987، بعدها توقفت الانتخابات خلال سنوات الانتفاضة الأولى.
حمل عام 1991 الإعلان عن تشكيل أول مجلس توافقي بين الأطر الطلابية ترأسه إبراهيم خريشة، لكن الانتقال النوعي حدث عام 1993 بتغير دستور المجلس، حيث أصبحت المشاركة في الانتخابات تتم من خلال التصويت للكتل.
يفخر زياد عزت عميد شؤون الطلبة السابق في جامعة بيرزيت والذي يشرف على سير عملية الاقتراع في قاعة "كمال ناصر"؛ بنزاهة الانتخابات، فالجامعة حافظت على استمرارية انتخاباتها الحرة والديمقراطية والتعددية منذ عام 1974.
ويقول: "أعتز بانتخابات بيرزيت، والطلبة باتوا يتحدثون بحرية عالية مقارنة بجامعات أخرى في الوطن أو حتى في دول عربية، هناك تقبل للآخر أفضل بكثير من ذي قبل".
وأضاف أنه وفي سنوات الثمانيات كانت الانتخابات في الجامعة مؤشراً على الوضع السياسي الفلسطيني، عدد الطلبة كان يصل إلى 3000 ونسبة الاقتراع تصل إلى 80% ورغم ذلك حظيت تلك العملية باهتمام دولي وعالي، لكن الانتخابات في الوقت الحالي تشير بالحد الأوسط للمزاج السياسي العام.