هل لازلتم تذكرون 28/4/2004 - عبد الناصر فروانة
هل لازلتم تذكرون الثامن والعشرين من نيسان/ابريل عام 2004 ؟ ذاك اليوم الذي فجّرت فيه شبكة تلفزيون CBS الأمريكية فضيحة " سجن أبو غريب"، السجن الأكثر شهرة في العالم، بنشرها صورا قبيحة ومذلة لسجناء عراقيين وهم عراة وفي أوضاع مشينة. وقالت آنذاك بأنها تمتلك العشرات من الصور التي امتُهنت فيها كرامة الإنسان العراقي وآدميته وشَرفه العربي وفاقت كل تصور من حيث انحرافها النفسي والأخلاقي .
صور لجنود الاحتلال الأمريكي وهم يتلذذون بتعذيب أسرى عراقيين عراة، ويصعقونهم بالكهرباء ويستمتعون بآلامهم، ويبتسمون ويضحكون لالتقاط الصور التذكارية بجانبهم، ويلوحون بعلامة النصر وكأنهم يمارسون عملاً بطولياً .
تلك الصور التي أحدثت آنذاك صدمة في العالم أجمع، أجبرت جميع المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية للتحرك لإدانتها، مما دفع الجيش الأمريكي لاتخاذ بعض الإجراءات الإدارية والقضائية لتهدئة المجتمع الدولي وامتصاص ردة الفعل، وكان منها إغلاق السجن المذكور بشكل نهائي في حزيران (يونيو) 2006، دون الإفراج عن المعتقلين الذين كانوا فيه، بل تم نقلهم إلى سجون أخرى داخل العراق، ليُعاد افتتاحه من جديد في شباط (فبراير) عام 2009 وتحت اسم سجن "بغداد المركزي" .
وعلى الرغم من أن الصور قد أظهرت أنماطاً مختلفة من الانتهاكات والتجاوزات بحق الأسرى والمعتقلين العراقيين، وبالرغم مما صاحبها من حملات شجب واستنكار وإدانة، إلا أن التعذيب الجسدي والنفسي في السجون العراقية لم يتوقف، و لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا دون رادع.
ولحسن حظ أشقائنا بالعراق أن صورهم تسربت آنذاك خارج السجن ونشرت ووزعت، واقشعرت الأبدان لها، ووجدوا من يدين ويستنكر، فيما السجون الإسرائيلية مغلقة وأبوابها موصدة في وجه وسائل الإعلام المختلفة وأمام الوفود واللجان الدولية، بل ويمنع الاقتراب منها أو تصويرها عن بُعد. فيما أن الكثير من الشهادات لأسرى فلسطينيين أكدت أن صور مشينة كانت قد التقطت لبعضهم وهم في أوضاع مهينة، بعضها نشر، فيما الأخطر لم يُنشر وبقيت طي الكتمان وفي أدراج السرية لدى الأجهزة الأمنية.
كما وأن التعذيب بصنوفه وأشكاله المتعددة، النفسية والجسدية، لا يزال مستمرا في السجون الإسرائيلية، بل ويحظى بغطاء قانوني وحصانة قضائية ومباركة الجهات السياسية الإسرائيلية. كما وأن اجبار المعتقلين الفلسطينيين على التفتيش العاري قائم ويصاحبه اجبارهم على القيام بحركات مشينة، وأن التحرش الجنسي يُمارس أحيانا، وهناك شهادات عديدة لأسرى من مختلف الأعمار تؤكد تكرار تلك الانتهاكات الفاضحة، التي وصلت حد الاغتصاب.
أحداث مؤلمة ومشاهد قاسية تبرز التعامل الإسرائيلي مع الأسرى وكأنهم ليسوا بشراً، وتصويرهم كغنائم صيد، وأداة للتعذيب والتسلية والاستمتاع، وكلنا يذكر تلك الصور التي نشرت في أكثر من مناسبة على المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام والفيس بوك لجنود ومجندات وهم يستمتعون ويرقصون إلى جانب أسرى وأسيرات وأطفال فلسطينيين في أوضاع قاسية و مكبلي الأيدي ومعصوبي العيون.
وكذلك شريط الفيديو الذي عرضته القناة العاشرة في أكتوبر عام 2010 ويظهر فيه جندي إسرائيلي بلباسه العسكري وهو يرقص أمام أسيرة فلسطينية مكبلة الأيدي ومعصوبة الأعين تقف بجانب حائط بطريقة مهينة ومذلة.
وفي الذكرى الثانية عشر لفضيحة "سجن أبو غريب" عليكم أن تقرأوا وتستمعوا لمزيد من شهادات الأسرى الفلسطينيين ومن مختلف الفئات العمرية بمن فيهم الأطفال والاعتداء عليهم، واستخدام الكلاب المتوحشة والصعقات الكهربائية وإجبارهم على التعري والقرفصة، وتهديدهم بالاعتداء الجنسي وغيرها من الأساليب التي تدل على مدى الانحدار الخلقي والمهني والثقافي لدى المؤسسة الحاكمة في دولة الاحتلال الإسرائيلي.
شهادات كثيرة لأطفال ونساء ورجال تعرضوا لحوادث مشابهة تكشف عن الوجه الحقيقي لجنود الاحتلال الإسرائيلي وسجانيه، بعضها تناقلته الألسن وبعضها بقي طي الكتمان !!
ويبقى "أبو غريب" أو ما سميّ حديثاً "بغداد المركزي" هو ذاك المبنى بحجارته الساكنة، شاهد على عصر الجرائم الأمريكية المنظمة بحق الأسرى والمعتقلين العراقيين في العراق الشقيق. وكم كنت أتمنى أن يُسمح لي بزيارته حينما قدر لي زيارة العراق في كانون أول/ديسمبر عام 2012.
وبالرغم من مرور اثنى عشر عاما على الفضيحة التي فجرتها شبكة تلفزيون CBS الأمريكية، إلا أن الصور باقية في الأذهان، راسخة في الوجدان، لفظاعتها وبشاعتها، وتتكرر هنا و هناك بدرجات متفاوتة. كما لا يزال التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي قائما ومستمراً و مشرَّعاً، ويبقى الاحتلال واحد أينما كان، بسلوكه المشين وانحطاطه الأخلاقي والإنساني وفظاعة جرائمه. وأينما كان هناك احتلال كان ملازما له عمل مقاوم.