المثقف ودوره الرسالي - محمد علي طه
طرح عدد من الكتاب والمفكرين البارزين، عربا وأجانبا، قبل عقود، مفهوم المثقف ورسالته ودوره في الحياة والمجتمع، وما زال عدد من المبدعين يتناول هذا الموضوع حتى أيامنا هذه، ولا أشك بأنهم سيتناولونه في سنوات قادمة من وجهات نظر مختلفة متعددة قد تنمو وتبرز في ظروف جديدة وأفكار عصرية. عالج الكاتب طه حسين هذا الموضوع بأسلوبه الساحر وفكره النير في مقالته الجميلة "ثقافة ومثقفون" كما كتب الكاتب إسحاق موسى الحسيني مقالة بعنوان "من هو المثقف" وولج الموضوع نفسه أدباء لامعون مثل سلامة موسى ومحمود أمين العالم وحسين مروة وآخرون، كما قرأنا مقالات عميقة للمفكر والكاتب الفرنسي جان بول سارتر، (رفض بإباء جائزة نوبل للآداب 1964)، طرح فيها نظرية المثقف الملتزم، التي أثارت أصداء فكرية واسعة في العالمين الأدبي والفكري في منتصف القرن الماضي. في كتابه "دفاعا عن ادوارد سعيد" يخصص الكاتب والناقد الفلسطيني فخري صالح فصلا عن "مفهوم المثقف ودوره الرسالي" معتمدا على ما كتبه الناقد والمفكر الفلسطيني (الأميركي) ادوارد سعيد في "صور المثقف" أو "المثقف والسلطة" وعلى سيرة حياة سعيد الغنية العريضة أيضا، طارحا السؤال الكبير عن وظيفة المثقف وموقفه مما يدور حوله مبينا لنا أن ادوارد سعيد رفض أن يتقوقع في بيئته الأكاديمية كأستاذ مرموق للأدب الانجليزي في جامعة كولومبيا الأميركية، وفضل رغم ما قد يكلفه ذلك على صعيد المكانة الأكاديمية والسلامة الجسدية أن يكون منافحا عن القضية الفلسطينية، في قلعة الغرب المعادية لحقوق الفلسطينيين، ومشددا على وظيفة المثقف في عالمنا وانخراطه في الدفاع عن المظلومين وعن الذين لا صوت لهم ولا حول ولا قوة لأن المثقف يحمل رسالة يؤديها للمجتمع. لا يستطيع المثقف الحقيقي أن يصمت، حتى لو ادعى بأن السكوت من ذهب أو ماس لأن هذا الذهب لن يكون خالصا، وعلى الغالب قد يكون مزيفا. على المثقف أن يكون شجاعا يقول الحقيقة للسلطة ويطرح على الناس الأسئلة المربكة المعقدة وأن يواجه الأفكار التقليدية والعقائدية الجامدة. المثقف الفعال لا تستطيع الحكومات أو الشركات أو المؤسسات المالية التعاون معه بل عليه أن يكون مستقلا يثير القضايا التي خُبِئَت تحت السجادة. وينتقد ادوارد سعيد فئة واسعة من المثقفين عندما "يحذر من وحش التخصص والاحتراف والتكسب من المهنة" الذي يتهدد المثقفين في العالم المعاصر. هناك عدد من المثقفين في عالمنا يؤثرون السلامة والحياة الناعمة وشرب النبيذ وتناول الأجبان الأوروبية، وينزفون أعمارهم بين الكتب الصفراء والأوراق وناقة طرفة وذنب الفرزدق وعالم ابن تيمية ومقولات الغزالي وأخبار هيرودوتس... وشاشة الحاسوب ولا يرون ما يجري وراء شبابيك مكاتبهم المكيفة، ولا يسمعون أنين الجياع والمرضى والمشردين، وأغاني الثوار وأسرى الحرية، وزغاريد الجراح. لا يسمعون ولا يرون ولا يشمون ولا ينطقون...!! هناك مثقف وهناك مثقف!!!!!