النظرة التبسيطية للتناقضات في إسرائيل - عمر حلمي الغول
يخلط بعض الخبراء في الشأن الاسرائيلي بين الاستيطان الاستعماري كجزء من المشروع الكولونيالي الصهيوني العام وبين ما يحمله من تناقضات مع المجتمع الاسرائيلي داخل حدود نكبة عام 1948. حيث يجري تضخيم حدود التعارض بين المستعمرين الجدد في اراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967 وبين المجتمع الام للاستعمار الصهيوني. وينظروا للامتيازات، التي يحصل عليها قطعان المستعمرين، وانعكاساتها السلبية على الاوساط الاسرائيلية، وزيادة تأثيرهم في القرار السياسي الاسرائيلي، وتأثير استعمارهم على توسيع وتعميق عزلة إسرائيل دوليا، نظرة غير واقعية، حتى يذهبوا للحد، الذي يوحون به، ان تلك التناقضات الثانوية قد تصل في لحظة سياسية قادمة إلى تناقضات رئيسية، تؤثر سلبا على الدولة الاسرائيلية. ولم يميز اصحاب هذا الرأي بين ركائز المشروع الصهيوني التاريخية ووجود دولة التطهير العرقي الاسرائيلية كقاعدة ارتكاز وانطلاق له، وبين التراجع التكتيكي للقيادات الاسرائيلية لاحقا ارتباطا بالتطورات السياسية، وليس نكوصا عن المشروع الصهيوني الام على الاقل في حدود فلسطين التاريخية ما اوقعهم في دوامة الاستخراجات غير الدقيقة، القائلة بإمكانية وصول المجتمع الاسرائيلي للحظة التصادم مع المستعمرين الجدد. وبالتالي الوقوع في مربع التفاؤل غير الواقعي. من الطبيعي بروز تباينات بين النواة اليهودية الصهيونية المكونة للدولة الاسرائيلية وبين المستعمرين الجدد للاراضي المحتلة في الرابع من حزيران عام 1967. وهذا التباين او التعارض مشروع، لان بناة إسرائيل الكولونيالية، يشعرون بالاستياء والغبن نتاج ما تمنحه الدولة للمستعمرين الجدد وعلى حسابهم وحساب ابنائهم ورفاهيتهم جميعا. لا سيما ان جزءا اساسيا من الموازنة العامة سنويا يذهب لصالح الاستيطان الاستعماري، اضافة إلى ان الاعفاءات الضريبية او تخفيضها إلى الحدود الدنيا وغيرها من الامتيازات يخلق نوعا من الرفض المشروع في اوساط الشارع الاسرائيلي، ويتعاظم الاستياء والرفض كلما انعكس ذلك على عزلة إسرائيل في الاوساط الدولية. لكن كل هذه التباينات او التناقضات الثانوية لا تغير من طبيعة المركبات الاساسية للدولة الاسرائيلية والمشروع الكونيالي للحركة الصهيونية الام. فالناظم للقيادات الاسرائيلية، هو مواصلة خيار الاستيطان الاستعماري على كامل الارض الفلسطينية بمقدار ما تسمح الشروط الذاتية والموضوعية في إسرائيل ودول الاقليم والعالم. والعكس صحيح ايضا، ان ما يجعل القيادات الاسرائيلية تندفع او تتريث في مشروعها الاستعماري على حساب الشعب العربي الفلسطيني وشعوب الامة العربية مرتبط بالتحولات في المنطقة والعالم. غير ان الثابت في الفكر السياسي الاسرائيلي، هو التوسع الاستعماري. والمتحول هو الثانوي. لان إسرائيل قامت كنقطة ارتكاز لمشروع اوسع واعمق. والدليل كل ما قاله قادة الدولة الاوائل، الذين رفضوا تحديد حدود الدولة الكولونيالية، ولسان حالهم، بن غوريون ووايزمن ودايان وألون وبيغن وشامير: حدود دولة إسرائيل حيثما يضع الجندي الاسرائيلي بسطاره. وهذا ما ترجموه في الممارسة العملية القادة الاوائل والجدد من حزب العمل والليكود وغيرهم من قادة المسميات الحزبية الصهيونية، الذين واصلوا قيادة الدولة الاستعمارية، وكرسوا الدليل على ذلك. لا سيما انهم جميعا رفضوا عمليا خيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. والاخطر من ذلك، ان الشارع الاسرائيلي يتجه بقوة وبشكل اعمى نحو المزيد من التطرف اليميني، ويغطي جرائم القيادات الاسرائيلية. وكلما وجد قائد إسرائيلي متطرف كشارون او نتنياهو او غيرهم تلحظ ان الشارع الاسرائيلي يلتف حوله، ويشكل له غطاء على جرائمه. النتيجة المنطقية علميا تحتم على اي خبير للشؤون الاسرائيلية التدقيق مليا في الاستخلاصات العلمية لطبيعة وحدود التناقضات داخل الدولة الاسرائيلية وبين الرواد الاوائل للمشروع الصهيوني والمستعمرين الجدد وعدم المبالغة في قراءة التعارضات الناشئة عن التوسع الاستعماري في الاراضي المحتلة عام 67.