عماد يعيش - عيسى عبد الحفيظ
عندما يحل الظلام تستطيع تمييزه من ضحكته المجلجلة. سميك النظارات، يمكن للمرء أن يميزه من رأسه المرتفعة دائماً. ارستقراطي ابن عائلة ثرية، اعتقل عام 1969 سوياً مع زميل روحه سامح كنعان المولود لأب فلسطيني نابلسي وأم يهودية. يبدو أن ما جمعهما معاً، بالإضافة إلى كونهما من نابلس، انهما آمنا بفكرة واحدة، والأهم امتلاكهما لذات البهجة الدائمة التي لم تعكرها حقيقة الاعتقال لسنوات طويلة ليس لها نهاية مرئية. استمر الاثنان يضحكان ويصنعان من الحدث العادي حدثاً مرحاً يدفع باتجاه الضحك والجبور، فمجرد وجودهما في مكان ما يدفع الآخرين إلى التفاؤل والسرور. اختلفا في أمر واحد، فسامح ذو القامة المتوسطة، رياضي من الطراز الأول، ذو مواهب متعددة في هذا المجال، وخصوصا في مجال البهلوانيات والحركات الإرستقراطية والقفزات الخطرة، أما عماد يعيش، النحيل طويل القامة، فقد اكتفى بالتدخين والسير البطيء. تركت نشأته الارستقراطية أثرها عليه في مجال حركته فقط. لم يكن مترفعاً، ولم يصب بالغرور، ولم يتحدث قط عن نمط حياته السابق. كان اجتماعيا، يميل إلى الهدوء، لا يدخل في جدل يثير الشقاق. ملتزما بالنظام الاعتقالي المتفق عليه بين السجناء، فقد نجح في تحويل ارستقراطيته الواضحة إلى سلوك مهذب دون تكلف أو تصنع. كانت مشاركته في كافة الأنشطة الاعتقالية تامة من حيث العمل في مجال النظافة عندما يحين دوره وأحياناً كثيرة خارج دوره، والمشاركة في الجلسات التنظيمية والمساهمة الفعالة في ضبط التنظيم والعمل النضالي. لم يتولَ منصباً تنظيمياً قيادياً، لكنه شكل احتياطاً هاماً في أوقات الأزمات، عندما كانت الإدارة تقوم بنقل قيادات المعتقل أو حجزها في الزنازين، فيسارع فوراً إلى ملأ المكان الشاغر. برز دوره عام 1979 عندما عمدت إدارة السجن إلى بعثرة قياديي عسقلان، ونقلتهم إلى سجن بئر السبع، فشغل عماد يعيش (أبو نجيب) موقعاً متقدماً في التنظيم، وكان على قدر المسؤولية، وأعاد التماسك والصمود. نظراً لدوره المميز كعضو في اللجنة القيادية لحركة فتح في سجن عسقلان، ودوره في فترة اتسمت بكثرة الإضرابات، تم نقله إلى سجن نفحة في محاولة بائسة للإدارة العامة للسجون لكسر الإضراب، وهي المحاولة التي تحطمت مباشرة بعد افتتاح سجن نفحة حيث دخلت كافة المعتقلات في اضراب شامل تضامناً مع معتقلي نفحة. عندما جرى افتتاح قوانين سجن (جنيد) وتم نقله إليه، حاولت إدارة السجون ترسيخ قوانين عنصرية جديدة وقاسية، فشكلت هذه الخطوة حافزاً للتمرد، وبرز دور عماد يعيش فقد كان من الذين اتخذوا قرار خوضه. اطلق سراحه عام 1983 في عملية التبادل، فعاد إلى نابلس مدينته التي أحبها، وعاش حياة الحرية والاستقرار لفترة وجيزة. عاد إلى نشاطه بعد اندلاع الانتفاضة واستمر على هذه الوتيرة حتى انشاء السلطة الوطنية، فالتحق بوزارة السياحة والآثار. كما انضم إلى صفوف الثورة بهدوء، وشارك بفعاليات وأنشطة المعتقل بهدوء، انسحب عماد من الحياة بهدوء.. شيعته جماهير نابلس وحشود كبيرة جاءت من مختلف محافظات الوطن بجنازة مهيبة إلى مثواه الأخير.