استحضار دروس المحرقة - عمر حلمي الغول
حلت يوم الخميس الماضي الذكرى الواحدة السبعون للمحرقة (الهولوكوست)، التي ارتكبتها النازية الالمانية ضد اتباع الديانة اليهودية، وأودت بحياة الملايين منهم. وأضافت تلك الجريمة على الحرب العالمية الثانية على بشاعتها وهمجيتها صورة قاتمة ووحشية، لانها استهدفت ابرياء عزلا، لا ذنب لهم سوى أنهم من اتباع الدين اليهودي. هذه الجريمة البربرية لطخت صورة وتاريخ اوروبا كلها بالعار وليس فقط ألمانيا الهتلرية، لأن حلفاءها من الفاشيين الايطاليين والاسبان وادواتهم في باقي دول القارة العجوز، جميعهم كانوا شركاء فيما نجم عنها من عمليات حرق وقتل عن سابق تصميم وإصرار ضد الابرياء من ابناء القوميات الاوروبية المختلفة من اتباع الديانة اليهودية. صحيح، ان شعوب العالم فقدت ما يزيد على الخمسين مليونا من بني الانسان، غير ان المحرقة إحتلت حيزا مهما بين مجموع خسائر البشرية، لأنها تجلت بأبشع أشكال الجرائم الانسانية، لانها اتسمت بالعنصرية السوداء. وطالت ابرياء عزل، لم يكونوا في ميدان المعارك. وحتى تكفر اوروبا الرأسمالية عن جريمتها النكراء ضد اليهود الاوروبيين، ارتكبت جريمة جديدة، تمثلت بإقامة دولة إسرائيل الاستعمارية على انقاض نكبة الشعب الفلسطيني، التي ما زال يكتوي بآثارها حتى اليوم اطفال ونساء وشيوخ وشباب الشعب الفلسطيني، لان الحركة الصهيونية وركيزتها الدولة العبرية، للاسف الشديد تستحضر هول المحرقة ضد اليهود في عقد الاربعينيات من القرن الماضي بمحرقة أكثر وحشية ودونية ضدهم (الفلسطينيين) من خلال الاحتلال والعنصرية والفاشية، التي أخذت تسم إسرائيل المارقة والخارجة على القانون. وهذا يائير غولان، نائب رئيس الاركان الاسرائيلي، يقول مساء الاربعاء الماضي إن المحرقة: "يجب ان تدفعنا للتفكير بطبيعة الانسان، حتى لو كان الانسان نحن". واضاف "إن ما يخيفني حول إحياء ذكرى المحرقة، هو الاعتراف بالعمليات المقززة، التي حدثت في اوروبا وخصوصا في المانيا (...) والعثور على مؤشرات منها بيننا اليوم في عام 2016". ويقصد هنا عمليات الاعدام الميداني للفتيات والاطفال الفلسطينيين داخل حدود اراضي الـ 48 وامام الحواجز الاسرائيلية في الخليل والقدس ونابلس وبيت لحم وجنين. وتابع يقول غولان: "لا يوجد اسهل من كراهية الغريب، ولا شيء أسهل من الترويع وإثارة المخاوف والتصرف مثل الحيوانات". وهو يعني هنا تعاظم وتوحش العنصرية اليهودية ضد الاغيار الفلسطينيين العرب. هذه التصريحات اثارت جدلا واسعا في الشارع السياسي الاسرائيلي، فقال وزير التربية والتعليم الاسرائيلي بينت، إن على غولان "التراجع فورا (...) قبل ان يستخدم ناكرو المحرقة هذه الكلمات الخاطئة كمعيار، وقبل مقارنة جنودنا بالنازيين". وما زال صداها يتعاظم في اوساط القوى الاسرائيلية بين الرافض والمؤيد. واذا تم التركيز على ما جاء على لسان زعيم حزب "البيت اليهودي"، فإن ما يخشاه بينت تم تشخيصه قبل ان يدلي العسكري الرفيع غولان باقواله، ولكن دون نكران للمحرقة النازية ضد اليهود، بغض النظر عن ارقام ضحايا الهولوكوست. لان المحرقة الاسرائيلية المتواصلة والمتفاقمة، لا تحتاج ليذكر بها ابناء الشعب الفلسطيني وقيادته وانصار السلام في العالم، لانها تكوي بنيرانها صباح مساء ابناء فلسطين جميعا. غير ان اهمية اقوال الجنرال غولان، انها تأتي في لحظة تغول العنصرية والفاشية الاسرائيلية ضد الفلسطينيين العرب، التي تتنافى مع ابسط معايير القيم الانسانية، لان القيم الاسرائيلية السياسية والعسكرية على حد سواء بما في ذلك قطعان المستعمرين الناظمة لممارساتهم وانتهاكاتهم وجرائم حربهم، هي ذات القيم، التي حكمت النظام الهتلري النازي في المانيا، ولكن تم استبدال العنصرية الالمانية ضد اتباع الدين اليهودي، بالعنصرية اليهودية الاسرائيليىة ضد حملة الهوية الوطنية الفلسطينية والقومية العربية. في ذكرى المحرقة النازية ضد اليهود، يا حبذا لو تتنبه القيادات الصهيونية بمختلف مشاربها لاخطار محرقتهم ضد الشعب الفلسطيني، وتعيد النظر بجرائم حربهم واستشراء العنصرية القاتلة بين صفوفهم، لانها بالضرورة ستطالهم قصر الزمن ام طال، لا مفر من تصويب المعادلة، وانتصار العدالة. فهل يتعظ نتنياهو وبينت ويعلون واريئيل وشاكيد وليبرمان ومن لف لفهم من دروس الهولوكوست، ويفتحوا افقا للسلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؟