في الذكرى الـ14 لمبعدي كنيسة المهد - عبد الناصر عوني فروانة
غزة الشموخ والعزة استقبلتهم وفتحت ذراعيها واحتضنتهم، ووفرت لهم المأوى والحماية وقدمت لهم واجبات الضيافة. غزة استمعت لشكواهم وأنصتت لمعاناتهم، ولم تتنكر لنضالاتهم وتضحياتهم أو لمقاومتهم وصمودهم، فأحبتهم وأحبوها، واستمتعوا بجمال بحرها ونسيم هوائها وببسمات أبنائها، وأُعجبوا بكرم أهلها، فأشادوا بها وبصمود رجالها وصبر نسائها وأطفالها في مناسبات عدة.
غزة الشهداء أبو جهاد والياسين وجيفارا والشقاقي لم تُدر ظهرها لهم يوماً مضى، وأظنها لن تنساهم أو تخذلهم في قادم الأيام. وستبقى غزة حاضنة لهم ولمن أحبها وتضامن معها، أو ساندها ودافع عنها، وستقدم واجبات الضيافة العربية الأصيلة لمن اختارها للإقامة الدائمة أو المؤقتة، الطوعية أو القسرية. وستبقى غزة جزء من الوطن الفلسطيني الكبير والجميل.
غزة لم ولن تنفر يوماً منهم، ومن استمرار بقائهم على أرضها وفي أحضانها وبين أبنائها الذين أحبوهم واحترموا نضالاتهم وقدروا معاناتهم فأحسنوا معاملتهم، وهي تساند نضالاتهم من أجل عودتهم، ليس كرها لهم، وانما حباً فيهم ومن أجل لم شملهم مع عائلاتهم.
غزة أكرمتهم فأكرموها، أحسنت ضيافتهم فأحسنوا اقامتهم ولم يسيء أحداً منهم لها أو لأحد أبنائها، ناضلت بجانبهم، وهم لم يخيبُ ظنها فدافعوا عنها في وقت اشتدت فيه الهجمة عليها. انهم مبعدي كنيسة المهد.
وقائمة أسمائهم تضم (26) مناضلاً، يقيمون في غزة من مجموع (39) مواطناً أبعدوا آنذاك، وحقيقة لا أعرفهم جميعاً، لكنني التقيت وتعرفت على بعضهم، وأدعي بأنني أحس بمعاناتهم وأشاركهم همومهم وأتابع قضيتهم وكثيراً ما كتبت حول ملفهم المؤلم.
واليوم وبعد مرور أربعة عشر سنة بالتمام على إبعادهم، عن بيوتهم وعائلاتهم، عن أحبتهم والدائرة الاجتماعية التي نشأوا وتربوا فيها، أشعر بالألم لاستمرار إبعادهم وعدم السماح لهم بالعودة لبيوتهم وعائلاتهم في بيت لحم.
مبعدو كنيسة المهد .. ملف بدأ في العاشر من مايو/ آيار 2002 ، حينما أقدمت سلطات الإحتلال على إبعاد تسعة وثلاثين مواطناً فلسطينياً، كانوا قد احتموا داخل كنيسة المهد في بيت لحم، وفقاً لاتفاقية فلسطينية – إسرائيلية، منهم (13) مواطناً إلى خارج البلاد ووزعوا على عدة دول أوروبية، و(26) مواطناً أبعدوا إلى قطاع غزة .
ومعاناة " مبعدي كنيسة المهد " ممن أبعدوا إلى غزة أو ممن أبعدوا إلى أوروبا ، تتفاقم يوما بعد يوم ، وأوضاعهم النفسية والاجتماعية تزداد سوءاً عام بعد عام ، فيما أن الكثيرين منهم فقدوا آبائهم أو أمهاتهم أو كليهما، أو بعض أحبتهم خلال فترة إبعادهم دون أن يسمح لهم بإلقاء نظرة الوداع الأخير، ولم يُسمح لأحد منهم بالعودة إلى بيته ، فيما أحد زملائهم المبعد إلى أوروبا " عبد الله داوود" كان قد أجبر سلطات الاحتلال على السماح له بالعودة إلى مسقط رأسه في مخيم بلاطة بنابلس في مارس / آذار من عام 2010، ولكن بعد أن فارق الحياة ليعود محملا على الأكتاف في تابوت الموت. وهذا ما يخشاه زملائه المبعدين ان كانوا المقيمين في غزة أو أولئك الذين هم قيد الإقامة الجبرية في بعض العواصم الأوروبية ، فهم يأملون بالعودة للضفة الغربية أحياء لا أموات، سيراً على الأقدام كما أبعدوا، وليس محملين على الأكتاف كما عاد رفيقهم "عبد الله".
ولا شك أن الإبعاد وفقاً للاتفاقيات والقوانين الدولية هو سياسة محظورة الممارسة، وتعتبر جريمة حرب إذا مُورست، بغض النظر عن دوافعها ومبررات وأسباب اللجوء إليه .
أربعة عشر سنة من الابعاد، هي فترة زمنية طويلة، تحمل في طياتها الكثير من الألم والمعاناة، وحافلة بالقصص والحكايات. بانتظار حلم العودة الى بيوتهم وأماكن سكناهم في أرض السلام التي لم تنعم يوما بالسلام.