عنصرية كتاب "المواطنة" - عمر حلمي الغول
قالت صحيفة "هآرتس" امس الاول إن وزارة التعليم الاسرائيلية أعلنت عن نسختها الجديدة من الكتاب المدرسي في المواطنة، الذي يحمل عنوان "أن نكون مواطنين في إسرائيل"، الذي كان مثار خلاف مجتمعي حادا منذ الشروع في كتابته قبل ست سنوات، لانه قام على أسس تحض على العنصرية، والتطرف وعدم التسامح مع العرب، لا بل تحقيرهم. النسخة الجديدة من الكتاب، تأتي تكريسا لرؤية الائتلاف الاسرائيلي الحاكم المتطرف، وتنسجم مع التدهور القيمي والاخلاقي في توجهات الحكومة الاكثر عنصرية في تاريخ إسرائيل. مع ان الجدل الصاخب حول مواد الكتاب حسب "هآرتس" أتت أكلها، فعلى سبيل المثال يبدأ الكتاب باعلان الاستقلال "النكبة الفلسطينية"، وليس بالصلاة، مثلما كان في إحدى مسوداته، ويتضمن مجموعة متنوعة من الاقتباسات اليهودية وغير اليهودية الدينية والعلمانية. إلا ان الصحيفة تقر ان الكثير من المحتويات، التي أثارت انتقادات في الماضي بقيت على حالها دون تغيير. اي ان الطابع العنصري دمغ الكتاب من الالف إلى الياء. يتسم الكتاب بالبعد الديني في اقتباساته الرئيسية، التي تعمق الاتجاهات العنصرية في المجتمع الاسرائيلي، وتؤصل لمواصلة خيار الاستيطان الاستعماري، والتمييز ضد مواطني دولة إسرائيل من الفلسطينيين العرب، ونفي روايتهم الاساسية، ففي الفصل الاول منه حول ما يسمى "إعلان الاستقلال" يتضمن "الوعد الالهي" لليهود بأرض فلسطين كمبرر لاقامة إسرائيل، الذي جاء في التوراة "ادخلوا وتملكوا الارض، التي اقسم الرب لابائكم إبراهيم وإسحاق أن يعطيها لهم". ويعمل الكتاب على الاساءة للفلسطينيين العرب، فأولا- يواصل سياسة "فرق تسد" في اوساطهم، ويقسمهم إلى "هويات" عديدة بينها: عرب ودروز وشركس وأرمن. وهذا من حيث المبدأ مرفوض جملة وتفصيلا. لأنه لا يمت للحقيقة بصلة. فالدروز، هم عرب اقحاح، ولا يميزهم مذهبهم الاسلامي عن باقي أشقائهم العرب من اتباع الديانات والطوائف المختلفة بشيء، وهو احد اشكال الغنى في المجتمع الفلسطيني العربي. ويتابع في الفصل التاسع تعميق عملية التقسيم لابناء الشعب الفلسطيني، حيث يسعى لفصل الدروز عن شعبهم، وجاء في الكتاب، ان "الدروز لا يصنفون انفسهم كعرب"! إذا من هم؟ وما هو اصلهم؟ أليسوا هم احفاد سلطان باشا الاطرش، قائد الثورة السورية الكبرى 1925، وأحفاد واقران القائد الوطني والقومي الكبير كمال جنبلاط، واباء واعمام وأشقاء الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل سميح القاسم والقائد الشيوعي محمد نفاع والقائد الوطني سعيد نفاع والاديب والمؤرخ سليمان ناطور؟ ويشهر الكتاب باتباع الديانة الاسلامية من الفلسطينيين، حيث يصفهم بـ"اضطهاد المرأة" وبالتالي يصفهم بـ"التخلف" و"الدونية". ويتجاهل الاضطهاد الفظيع للمرأة اليهودية الحريدية، التي يقصيها المتدينون كليا من الحياة. لأن هدف القائمين على الكتاب تشويه صورة المواطن الفلسطيني عموما والمسلمين منهم بشكل خاص. كما لا تسلم اللغة العربية من التقليل من مكانتها في المجتمع، حيث يتغاضى الكتاب عن مساوئ الهيئات والمؤسسات، التي ترفض "تقديم خدماتها باللغة العربية، ما يلزم المواطنون العرب بترجمة طلباتهم للغة الانجليزية او العبرية". مع ان الضرورة كانت تملي على واضعي الكتاب، الدعوة لالزام تلك الهيئات بالتعامل مع اللغة العربية كلغة رئيسية معتمدة رسميا في إسرائيل، ويتحدث بها حوالي 25% من العدد الاجمالي لسكان دولة التطهير العرقي الاسرائيلية. الكتاب صورة نموذجية عن واقع الائتلاف الحاكم. وهو يعكس تعمق العنصرية في المجتمع الاسرائيلي، ويؤصل للكراهية والتطرف وإسقاط خطاب التسامح والتعايش داخل إسرائيل. وعلى من يراقب ويتابع عمليات التحريض العنصري في اسرائيل ودول الاتحاد الاوروبي واميركا والامم المتحدة وقبلهم القيادة الفلسطينية وضع الكتاب امام جهات الاختصاص للوقوف على الدولة المنتجة للعنصرية والارهاب والاحتلال والجريمة المنظمة، للحؤول دون تعميمها أكثر مما هي معممة، والعمل على إلغاء الكتاب العنصري كحد ادنى، وفتح افق للسلام والتعايش والتسامح.