رسائل السيسي - عمر حلمي الغول
مصر العربية الغارقة في عدد من الازمات الداخلية، التي يلعب الارهاب التكفيري دورا اساسيا، لم تستسلم لمشيئة اعداء الداخل والخارج، الذين استهدفوا دورها ومكانتها وتاريخها المجيد عبر الحقب التاريخية، وبجهود قيادتها السياسية تواصل مشوار الدفاع عن الذات والامة على حد سواء. وتسعى لتأكيد حضورها على الصعد المختلفة. تتقدم وتتراجع، وبخطى وئيدة وحثيثة تخترق حقل الالغام المعقد، الذي يطوقها من كل الزوايا. ها هو الرئيس عبد الفتاح السيسي يوجه أكثر من رسالة امس الاول للمصريين والفلسطينيين والاسرائيليين والفرنسيين والعالم طبعا. جاءت الرسائل من وسط اسيوط الحارة، واثناء افتتاحه لعدد من مشاريع الطاقة الكهربائية. وكأن الطاقة المصرية الجديدة، حملت معها قوة دفع جديدة للقيادة السياسية ولمكانة مصر المحروسة، لتؤكد للمصريين جميعا، ان الشقيقة الكبرى عصية على الكسر، وانها بفضل جهود وعطاء ابنائها، كانت ومازالت كبيرة ورقما صعبا.
رسائل المشير العديدة مهمة ونوعية، وهي ما اشير اليه آنفا، اي التأكيد على دور ومكانة مصر، كدولة مركزية في الوطن العربي والاقليم والعالم. الرسالة الثانية للاسرائيليين بشكل خاص، ودعوتهم للاستفادة من الفرصة التاريخية الممنوحة لهم من قبل الشعوب والدول العربية لدفع عملية السلام قدما للامام من خلال القبول بمبادرة السلام العربية والافكار الفرنسية. وتعزيز عملية السلام على المسار الفلسطيني. حيث طالبهم (القيادات الاسرائيلية) بتمثل النتائج الايجابية للتسوية السياسية مع مصر والاردن، والآفاق المفتوحة في حال ارتقت تلك القيادات بمختلف مشاربها لتبني خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؛ الرسالة الثالثة التمسك بمبادرة السلام العربية كأرضية للتحرك العربي الرسمي في مواجهة الاستعصاء الاسرائيلي، وهو ما يعني عمليا الرد على القوى والدول، التي تعمل على تشويه معالم المبادرة العربية، وإفراغها من مضامينها الاستراتيجية. كما ان الربط بين مبادرة السلام العربية والمبادرة الفرنسية، يندرج في إطار التأكيد، على ان العرب منفتحون على اية توجهات سياسية سلمية عالمية، تعمل على تحفيز عملية السلام، وإيجاد عوامل دفع للقيادة الاسرائيلية نحو التسوية، وقطع الطريق على خيار الاستيطان الاستعماري؛ الرسالة الرابعة وهي رسالة غير مباشرة للقيادة الاميركية، عنوانها كفى تسويف ومماطلة وتغطية على انتهاكات إسرائيل، وآن الآوان لوقف سياسة التساوق مع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، وبالتالي عليها (الادارة) التعامل الايجابي مع المقترح الفرنسي دون مراوغة، ودعم المبادرة لنقل المسار الفلسطيني الاسرائيلي خطوة للامام؛ الرسالة الخامسة وهي دعوة القيادة الفلسطينية والفصائل المختلفة لترتيب شؤون البيت الفلسطيني، ودفع المصالحة قدما للامام. وهو ما يعني استعداد مصر للقيام بدورها كراعية لعملية المصالحة. واستعدادها لتجاوز كل المنغصات، الناجمة عن سياسة وممارسات قيادة حركة حماس. لاسيما وان مصر تدرك، ان المصالحة مصلحة استراتيجية فلسطينية ومصرية، لأنها تعني تخليص الشعب الفلسطيني من مثالب وخطايا الانقلاب الاخواني، وبشكل غير مباشر، تعني حماية الامن الوطني المصري.
هذه الرسائل وغيرها حملتها كلمة الرئيس المصري في أسيوط، ومع ان ربان المحروسة، اشار الى ان مصر لا تستطيع لعب دور مركزي في عملية التسوية، غير ان طرحه لرسائله بهذه القوة والشجاعة، انما أكد على دلالة عميقة، عنوانها تمسك الشقيقة العربية الكبرى بخيار السلام، وانها ستضع كل ثقلها من اجل دفع عملية التسوية السياسية للامام بالقدر، الذي تستطيع، ولن تبخل في تعزيز هذه المسيرة. ومن الآثار، التي يمكن ان تترتب على خطاب السيسي، فتح ثغرة في جدار الاستعصاء الاسرائيلي. لاسيما وان رئيس مصر قد يستقبل في شرم الشيخ رئيس الحكومة الاسرائيلية، نتنياهو وزعيم المعارضة الرسمي حتى الآن، إتسحاق هيرتسوغ، لاحداث نقلة إيجابية في المشهد السياسي الاسرائيلي. وإن كان من المبكر التفاؤل بأي تقدم حقيقي في السياسة، التي يقودها الائتلاف الميني المتطرف الحاكم.