الإعلان عن مراسم وداع وتشييع القائد الوطني المناضل الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    "مركزية فتح": نجدد ثقتنا بالأجهزة الأمنية الفلسطينية ونقف معها في المهمات الوطنية التي تقوم بها    17 شهيدا في قصف الاحتلال مركزي إيواء ومجموعة مواطنين في غزة    الرئيس ينعى المناضل الوطني الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    سلطة النقد: جهة مشبوهة تنفذ سطوا على أحد فروع البنوك في قطاع غزة    و3 إصابات بجروح خطيرة في قصف الاحتلال مركبة بمخيم طولكرم    الرئيس: حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سيسهم في بقاء الأمل بمستقبل أفضل لشعبنا والمنطقة    "استغلال الأطفال"... ظاهرة دخيلة على القيم الوطنية وجريمة يحاسب عليها القانون    "التربية": 12.799 طالبا استُشهدوا و490 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب منذ بداية العدوان    الاحتلال يشرع بهدم بركسات ومنشآت غرب سلفيت    الاحتلال يعتقل شابا ويحتجز ويحقق مع عشرات آخرين في بيت لحم    10 شهداء في استهداف شقة سكنية وسط غزة والاحتلال يواصل تصعيده على المستشفيات    استشهاد مواطن وإصابة ثلاثة آخرين خلال اقتحام الاحتلال مخيم بلاطة    الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد بالأغلبية قرارين لدعم "الأونروا" ووقف إطلاق النار في غزة    الاحتلال يعتقل 10 مواطنين من الضفة بينهم مصاب  

الاحتلال يعتقل 10 مواطنين من الضفة بينهم مصاب

الآن

واجبي أن أتعلم أهم بكثير في العالم المعاصر من واجبي أن أدرس - منير فاشه

هناك فرق شاسع وجوهري بين "واجبي أن أتعلم" و"واجبي أن أدرس". الواجب الأول يضع المسؤولية عليّ شخصيا حيث تنبع من دافع ذاتي يرتبط ببقائي وعافيتي وعافية الطبيعة والمجتمع من حولي، لا من سلطة خارجية؛ بينما يرتبط الواجب الثاني بمؤسسات ومهنيين مرخصين، ما يجعل مرجعيتي سلطة خارجية ترتبط بالسوق والاستهلاك. في حرب 1967 كنت أدرّس رياضيات في كلية بيرزيت وكانت أمي الأمية تخيط الملابس. اكتشفت عندها الفرق بين معرفة لها قيمة نفعية في الحياة ومعرفة لها قيمة تبادلية في السوق. أخبرنا رئيس الكلية بعد الحرب أن من الصعب التكهن بما سيحدث، ولن يستطيع أن يعدنا بشيء بالنسبة لوظائفنا. اكتشفت لا أحد يحتاج لرياضياتي إذ لا قيمة لها خارج مؤسسات، بينما استمرت والدتي في عملها إذ أن معرفتها مفيدة في الحياة ومطلوبة بغض النظر عن الظروف. كذلك الحال بالنسبة لمزارع يزرع ليأكل (أي توجد لمعرفته قيمة نفعية) مقابل مهندس زراعي تحتاج معرفته إلى وزارة أو مؤسسة تتوافق مع معرفته التبادلية. الاختلاف في الحالين يكمن فيما إذا كان الشخص يستعمل أصابعه أو لا يستعملها؛ أي، بين معرفة ترتبط بفعل ومعرفة ترتبط برموز ومصطلحات. معرفة والدتي والمزارع تحتاج إلى أصابع، بينما معرفتي ومعرفة المهندس لا تحتاجان إلى أصابع – إلا إذا قررنا أن نتحرر من هيمنة الأقفاص عن طريق استعمال أصابعنا واستعادة حكم ذاتنا. هذا لا يعني أننا لا نحتاج إلى جامعات بل يعني أن علينا أن نميّز بين معارف قيمتها نفعية ومعارف قيمتها تبادلية. هذا ما نحتاج أن نتحادث عنه وليس نواحٍ  دعائية أو استهلاكية مثل جودة التعليم والحق في التعليم والتميز والتفوق وتحسين التقييم دون أن نلغي التراتبية التي هي مصدر تمزيق الإنسان والمجتمع.

 

"واجبي أن أتعلم" أهم بكثير من "واجبي أن أدرس" في العالم المعاصر بسبب التخريب الذي يحصل للحياة على أصعدة شتى: ما يدخل أمعدتنا وعقولنا وإدراكنا ونفوسنا ومشاعرنا وعلاقاتنا، وما يلوث الهواء والماء والتربة، وما يسلبنا مقوماتنا وقدراتنا البيولوجية – تخريبٌ يتم من قبل مهنيين وأكاديميين وعلماء وخبراء ومؤسسات وشركات ومنظمات عن وعيٍ وتصميم. لذا، هم ليسوا المرجع في حمايتنا، ما يعني أن علينا القيام بذلك بأنفسنا؛ هي مسؤولية أساسية على الصعيد الشخصي والجمعي، ما يجعل واجبنا للتعلم ضروريا لحماية أنفسنا ما يمكن أن يضر بنا، والذي يشمل معرفة تخريب العلوم للحياة. لا أعرف كتابا مقررا في العلوم في أي دولة يذكر التخريب الذي تقوم به العلوم (والذي يفوق أضعافا مضاعفة ما نكسبه منها)؛ الكتب المقررة في العلوم تذكر المكاسب دون الخسائر.

"واجبي أن أتعلم" يختلف عن "الحق في التعليم" المصمَّم لإلهائنا عن واجبنا للتعلم، إذ يركّز على القفص والمظهر لا الجوهر، وعلى مطالبة بدل القيام بما يمكننا عمله بأنفسنا. نحتاج إلى التمييز بين التعلم والتدريس: التعلم في جوهره قدرة بيولوجية، تماما مثل الهضم والتنفس؛ التعلم هو ما يفعله الشخص لعافيته ولعافية من وما حوله. التدريس في المقابل يعني شيئا جاهزا يعطيه شخص لآخر، والذي يمكن أن يكون ضروريا في أمور تتعلق بنواحي تقنية ومعلوماتية لكن ليس فيما يتعلق بالحياة وعافية الطبيعة والمجتمعات والعيش بحكمة. هذا يعني أننا نحتاج إلى تنوع ومسؤولية في التعلم على الصعيد الشخصي والجمعي. يتطلب واجب التعلم الصدق في الفكر والقول والعمل والتعامل، وربط بعضها ببعض، بينما واجب الدراسة يتطلب (في أغلب الأحيان) عدم الصدق، فإرضاء المدرس والجهاز التعليمي، لا الصدق، هو القيمة التي تحكم أفعالنا. واجب التعلم ينطلق من انتباهٍ شديد للواقع، وإدراكنا لموقعنا ودورنا فيه، وتحديد القيم والقناعات التي نلتزم بعدم مخالفتها في أفعالنا، ما يتطلب صقل المعاني، وتثقيف الذات، وتهذيب النفس والعلاقات، بحيث تتوافق مع الحكمة في العيش، بمعنى تجنب ما يخرب ويلوث الحياة. واجب التعلم لا يعني أننا لا نحتاج أحيانا أن ندرس ما يمكن أن يعمق فهمنا لما يجري حولنا.

في المقابل، "واجبي أن أدرس" يعني البدء بكلمات مهنية وتصنيفات أكاديمية، وليس بالواقع الطبيعي- المجتمعي. من هنا، يشكل السعي لتحويل جزء من واجب الدراسة إلى أجواء تحترم وتتوافق مع التعلم كقدرة بيولوجية منطلقا مهماً لتوليف رؤيا للتعليم أقرب إلى العيش بحكمة وعافية. لم يعد الوضع يتحمل أن نكون نسخة عن الغرب. آن الأوان لانتزاعنا من "الاحتذاء بحذاء الغير" والمشي حفاة إذا لزم الأمر لنلمس الأرض من جديد. "واجبي أن أتعلم" أهم بكثير من "واجبي أن أدرس" لأن التعلم يرتبط بالبقاء واستمرار الحياة على الأرض (ما يعني حماية قدرة الحياة على توليد ذاتها)، بينما "واجبي أن أدرس" يرتبط بالتعليم الرسمي الذي يطمس التعلم كقدرة بيولوجية ومسؤولية شخصية واستبدالها بمسؤولية نحو سلطة تمنعنا من رؤية ما يحدث في الواقع... عصر التنوير الذي أُطْلِق على المدنية الأوروبية صحيح بمعنى أن نوره كان ساطعا لدرجة لم نر حقيقته.

"واجبي أن أدرس" يحوّل انتباه الأهل مما يدعم الحياة والعافية إلى ما يدعم الاستهلاك. يحوّلهم إلى مستعبدين للتعليم الرسمي (دون مقابل) من خلال الواجبات المدرسية وما شابهها. عكس الاستهلاك ليس الإنتاج (إذ هو غالبا الوجه الآخر له)؛ عكس الاستهلاك هو العافية. باختصار شديد: واجبي أن أدرس يرتبط بالاستهلاك، بينما واجبي أن أتعلم يرتبط بالعافية.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024