بلاد الإغريق تغرق ... حافظ البرغوثي
ارتسمت الجزر اليونانية واثينا في الذاكرة منذ الصغر، ربما لأن اول كتاب قرأته قبل الثانية عشرة من العمر كان الأوديسة اليونانية ثم كتاب المؤرخ الاغريقي هوميروس عن حرب طروادة. وظللت أتشوق لزيارة بلاد الاغريق وفي كل مرة كنت اهم بزيارتها يحدث طارئ ما يلغي الرحلة فزرت كل البلاد من حولها ولم ازرها، وقبل ايام سنحت فرصة لزيارتها على عجل ليومين وكانت المحطة اثينا فقط لأن جمال اليونان في الجزر وعظمتها في اكروبوليس المجمع التاريخي الديني الرياضي الثقافي موئل الديمقراطية والثقافة القديمة في اثينا. وهي مدينة واسعة ربما تبلغ مساحتها السكنية مئات الكيلو مترات المربعة لأن تمددها افقي وليس على شكل ابراج، ونصف سكان اليونان البالغ عشرة ملايين نسمة يقطنون في اثينا، وغالبية أراضيها وجزرها غير مأهولة. وقد كانت تعتمد على السياحة وصناعة النقل البحري لكن سوء إدارة القطاع الفندقي وارتفاع الأسعار دون مبرر والتهرب الضريبي أدى ذلك الى الأزمة الاقتصادية اليونانية التي اجتاحت تلك البلاد وجعلت اليسار المؤيد تاريخيا للشعب الفلسطيني يوثق علاقاته مع إسرائيل ويجر معه قبرص اليونانية ايضا على امل ان يحل الغاز المكتشف اسرائيليا في البحر المتوسط جانبا من المشكلة الاقتصادية، لذا تم توثيق العلاقات لكي تصبح اليونان ممرا لتصدير الغاز من شركات اسرائيلية لكن تبين أن احتياطي الغاز لم يكن بالكميات الكبيرة وليس مغريا لأن الاحتياطي الأضخم في المياه المصرية وقبالة شاطئ غزة. وهكذا وجد اليسار اليوناني نفسه يقوم بالاعمال القذرة لصالح اصحاب القروض ويفقر الناس بالضرائب ويتخذ مواقف سياسية انقلابية لكن المؤكد ان اليمين سيفوز في الانتخابات المقبلة بعد ان يكون اليسار قد وسخ يديه بسياسات مرفوضة من الفقراء. تاريخيا ما زال الشعب اليوناني متعاطفا مع قضيتنا لكن الأمر يحتاج الى سياسة اعلامية فلسطينية نشطة على مستوى الأحزاب والنقابات لإنعاش الذاكرة تجاهنا وهذا غير موجود ضمن سياسة الوزارة المالكية ويكون جهد السفراء ذاتيا وليس مبرمجا في سياق استراتيجية شاملة لإعادة بعث التضامن الشعبي مع قضيتنا، واذكر مثلا ان ايطاليا كانت الاكثر تضامنا معنا في السبعينيات وحتى التسعينيات حزبيا وشعبيا لكن الجيل الحالي لم يعد يعرف عنا شيئا. وهذا ينطبق على اغلب الشعوب، فالدول تفلت ونفقد تأييدها.