هل يأتي الحل من باريس - د عبد الرحيم محمود جاموس
ستشهد العاصمة الفرنسية يوم الثالث من حزيران مؤتمراً دولياً من أجل السلام في الشرق الأوسط، ودفع عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية التي تراوح مكانها منذ أزيد من ربع قرن على عقد مؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر /1991م، الذي أسس لإنطلاق عملية السلام التي نتج عنها كل من إتفاق (أوسلو) بين م.ت.ف (وإسرائيل) (وإتفاق وادي عربة) بين الأردن (وإسرائيل)، مؤتمر باريس الذي سوف تحضره ثمانية وعشرون دولة وازنة ومؤثرة في مسارات السياسة الدولية والشرق الأوسط، ويتصدرها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى دول عربية مهمة مثل مصر والسعودية والأردن، وستجري أعمال المؤتمر الذي يوصف بالتحضيري في غياب الطرفين الأساسيين في الصراع وهما فلسطين والكيان الصهيوني، لقد رحب الفلسطينيون بالدعوة لهذا المؤتمر، وحدد الرئيس الفلسطيني في إجتماع وزراء الخارجية العرب مؤخراً الموقف الفلسطيني الثابت إزاء المطالب الفلسطينية، في مؤتمر باريس وغيره من الجهود التي تستهدف حل الصراع، على أساس مبدأ الدولتين والإنسحاب إلى حدود الرابع من حزيران، وحل مشكلة اللاجئين وفق القرار 194 لسنة 1948م، إضافة إلى بقية ما عرف بقضايا الوضع النهائي، في حين قوبلت الدعوة بالفتور من جانب الولايات المتحدة وكذلك روسيا، كما قوبلت بالرفض والتحفظ من جانب حكومة الكيان الصهيوني، ومع ذلك استمرت الدبلوماسية الفرنسية في التأكيد على ضرورة عقد المؤتمر وتهيئة المناخ السياسي والدبلوماسي لعودة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وتجنب إنفجار عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية المتجمدة. لا شك أن فرنسا ودول الإتحاد الأوروبي والتي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الكيان الصهيوني منذ نشأته وتأسيسه، تدرك خطورة توقف عملية السلام ليس فقط على أمنها وإستقرارها بل أيضاً على مستقبل الكيان الصهيوني نفسه، في ظل المتغيرات الجارية في الإقليم والمنطقة وإستشعار أوروبا خطورة ظاهرة الإرهاب التي باتت تعصف بالإقليم ويتطاير شررها إلى عواصم أوروبية مختلفة من باريس إلى بروكسل إلى لندن وغيرها، وإدراك الدبلوماسية الفرنسية لهذه المخاطر مجتمعة، يدفعها إلى الإصرار على عقد مؤتمر باريس وإنجاحه أمام إخفاق الجهود الدولية والأمريكية خاصة، على مدى عقدين من رعاية مفاوضات فاشلة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لم تتعدى مستوى إدارة الأزمة، وذلك بسبب الصلف والعنت الإسرائيلي من جهة، وعدم مواجهة الراعي الأمريكي لهذا الصلف بجدية، وبما تمتلك الولايات المتحدة من عوامل التأثير في القرار الإسرائيلي، إن تنامي حركة المقاطعة ( BDS ) للكيان الصهيوني على مستوى أوروبا، وما أنجزته الدبلوماسية الفلسطينية من إعترافات دولية، رسمية وبرلمانية، وإنضمام فلسطين إلى المنظمات الدولية كعضو كامل العضوية في العديد منها الخاصة والعامة، وإعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين كدولة عضو مراقب بموجب القرار 69/67 على أساس حدود الرابع من حزيران والقدس الشرقية عاصمة، كل ذلك يشكل دافعاً لباريس لتصدر المشهد في دفع عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وما يميز هذا المؤتمر أنه سيتم بغياب فلسطين (والكيان الصهيوني)، لوضع الأفكار والآليات التي تؤدي إلى إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات وفق مرجعية محددة وواضحة وفي إطار زمني محدود، تنتهي إلى إتفاق سلام نهائي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، فهل يأتي الحل من باريس ؟!!. ليس مستبعداً النجاح عن مؤتمر باريس الذي سيعيد الإعتبار للصراع الأساسي في المنطقة، بعد أن غطت عليه أحداث الربيع العربي، وتفشي ظاهرة الإرهاب في المنطقة وتطاير شررها ليلحق الأذى مباشرة بباريس وبكل أوروبا، وإننا نتمنى أن ينجح مؤتمر باريس في تحقيق تسوية تنهي الإحتلال الإسرائيلي الأبشع على سطح الكرة الأرضية، وأن تضع حداً لهذه المأساة المستمرة منذ ما يزيد على سبعة عقود، بتمكين الشعب الفلسطيني من بناء مستقبله في دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران خالية من الإستيطان وعاصمتها القدس، وحل مشكلة اللاجئين وفق القرار 194 لسنة 1948م.