الجامعات الفلسطينية ودورها في تعزيز لغة التسامح والحوار- رمزي النجار
كان جامعات الوطن دوراً محوريا وبارزاً في تعزيز ونشر ثقافة التسامح ولغة الحوار في المجتمع الفلسطيني وبث روح الحوار الجماعي والذي ظهر جليا من خلال المحاضرات والمؤتمرات وورش العمل والنشاطات اللامنهجية والمهرجانات والاحتفالات واللقاءات العامة والندوات الثقافية والعلمية وعقد الدورات التدريبية والمكتبة العامة واتحاد الطلبة والمسؤولية الاجتماعية وتقديم العون والمساعدات للطلبة المحتاجين والوقوف بجانب الطلبة المتفوقين والمشاركات الخارجية وبناء شخصية الطلبة حتى يستطيع مواكبة التطور العلمي والتكنولوجي الحديث من خلال البحث العلمي والتعاون مع المؤسسات الوطنية والأهلية في كافة المجالات نحو التنمية الشاملة لمجتمعنا الفلسطيني.
فالجامعات التي تستقطب مجتمع الشباب الذين سيشكّلون في المستقبل قيادة المجتمع والنخبة المثقّفة والمعرفية والتربوية أي النخبة المنتجة يجب أن نكن لها كل الاحترام والقدير والثناء على دورها وزيادة جسور الثقة وردم أي فجوات تحدث هنا وهناك والوقوف بجانبها لتعزيز دور مسيرتها الوطنية في بناء الأجيال القادمة نحو وطن فلسطيني تسوده أجواء المحبة والإخاء والتسامح.
ان الحوار هو وسيلة بشرية للتواصل بين عقلاء البشر عموماً بواسطة سلاح الكلمة سواء أكانت مشافهة أم مكاتبة، ولعل التطورات المتلاحقة في مجتمعنا الفلسطيني ومحيطنا العربي، وفي ظل تغيير وتبدل وسائل التعبير وأدوات التواصل والعولمة ومجتمع المعلومات وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكات العنكبوتيه، مما يحتم إعادة النظر بشكل الحوار الذاتي ومحتواه، ليكون رافعة لتحقيق مجتمع حضاري قادر على التفاعل والمشاركة في بناء إنسانية الإنسان التي افتقدناها مع مرور الزمن.
لقد أثبتت تلك التطورات أننا اليوم بحاجة ماسة لتحقيق الحوار الذاتي للتغلب على التحديات الراهنة ودفع الاستحقاقات المطلوبة منا قبل الدخول في حوارات الطرشان مع الآخرين وتحقيق التواصل داخلياً والتوافق على القواسم المشتركة والتفاهم بين جميع الفئات والشرائح الاجتماعية، فالحوار الداخلي المطلوب هو الحوار الذاتي الذي يحقق الانفتاح والتعارف الحقيقي قبل مطالبة الآخر بمحاورتنا ونحن على ما نحن عليه من تمزّق وانقسام.
على الرغم من الكم الهائل من الحوارات والمداخلات والمناقشات القائمة في المؤتمرات والندوات، إلا أن المحصلة النهائية لهذه الحوارات هي دون الحد الأدنى بفعل النزعة الفوقية لتلك الحوارات والمواقف المسبقة المتربصة ببعضها البعض، فالحوار بالنسبة للكثيرين يعني تنازل الآخر عن ثوابته المبدئية وتبنّي منظومة فكرية أخرى لتحقيق التقارب والتواصل، فالمطلوب هو تغيير صورتنا الذاتية بإعادة الاعتبار لذاتنا قبل استعداد الآخر لتغيير تصوره المشبوه عن العرب.
ومما لا شك فيه أن قضية تعويد الأبناء على الحوار والمناقشة وتقبل الرأي الآخر أصبحت ضرورة من ضروريات الحياة العصرية في عملية التنشئة والتعليم، وما لم تستطع الأسرة القيام بهذا الدور المأمول منها ،فإن الحوار في المجتمع سوف يخنق في مهده ، وفي جانب آخر فإنه يقع على عاتق المؤسسة التعليمية مسؤولية كبيرة عن إرساء ثقافة الحوار داخل المجتمع، وحتى تصبح المؤسسات التعليمية قادرة على إرساء ثقافة الحوار داخل المجتمع فلا بدّ من تكامل مقومات العملية التعليمية في إرساء ثقافة الحوار والتسامح في المجتمع ولا يمكن إرساء ثقافة التسامح والحوار داخل المجتمع من دون تواجد بيئة محلية تشجع على الإبداع وتحفيز التفكير الإبداعي واهتمام هيئة التدريس بتوصيل المعلومة عبر الحوار والنقاش وتعويد الطلاب على الحوار المبدع في ظل مناهج تعليمية تشجع على الحوار والتسامح وقبول الآخر.
تبدو ان هناك حاجة ملحة إلى إنشاء مراكز للحوار الإنساني ، وعلى جامعاتنا الفلسطينية أن تأخذ زمام المبادرة وتحقيق ذلك على ان تتضمن هذه المراكز مجموعة من الدراسات والمقررات الأكاديمية الخاصة بالحوار الإنساني، كما تكون هذه المقررات التعليمية مادة إلزامية في جميع التخصصات التي تقدمها الجامعات، وتلحق بهذه المراكز مكتبات ووثائق تاريخية شاملة، تسهم في المعرفة والانفتاح على الآخرين.
بقلم / رمزي النجار
palramzy@yahoo.com