المأذون جلامنة: وثائق تجمع الأحزان والأفراح!
عبد الباسط خلف: يمسك سعيد شريف جلامنة" أبو حذيفة" بأوراق يومياته التي تجمع الأحزان والأفراح في وقت واحد، بينما تسكن ذاكرته حكاية طفولته المزدوجة بين نورس ويافا، قبل جرح النكبة الكبرى.
يقول بابتسامة طوقت وجهه الملتحي: بدأت في توثيق حالات الزواج خلال عملي مأذونا في المحكمة الشرعية منذ العام 1987 وحتى 2009، وصرت أُدون الوفيات في بلدتي برقين منذ مطلع التسعينيات وإلى يومنا هذا. وعندما كنت أُسجل عقود الزواج بحكم عملي، أخذت أفكر في عمل مماثل لمن يرحلون عن هذه الدنيا، وبدأت بهذه المهمة، وصار سجلي الآن يحتفظ بمئات الوثائق للمتزوجين وللموتى.
يتابع: في اللحظة التي استمع فيها إلى نبأ وفاة أحد المواطنين من بلدتنا سواء في برقين أو في الأردن والخليج أو أي مكان في الدنيا، أسرع إلى دفتر يومياتي، وأدون أسمه، ورقمه المتسلسل، وتوقيت الوفاة، وتاريخها الهجري والميلادي، ملاحظات أخرى حول مكان الوفاة، وصرت مرجعاً لمن يريد معرفة تاريخ رحيل والده أو أخوته أو أي قريب له، مثلما تحولت إلى مركز معلومات لمن يرغب في استصدار عقد زواج بدل الذي فقده.
ووفق أبو حذيفة، فإن عدد الوفيات التي جمعها وصلت إلى 564، غير أن حجم الزيجات يفوق ذلك بكثير، مثلما لا تخلو "طقوس" مهنة المأذون الشرعي من مواقف وغرائب، وأبرزها حالة زواج لم تدم غير عدة ساعات، وبكاء إحدى الفتيات خجلاً عند سؤالها عن رغبتها بالزواج من ابن عمها، وإعادة عقد زواج لعجوز سبعيني عدل عن تطليق زوجته.
وأبصر جلامنة النور في زرعين في التاسع والعشرين من أيار العام 1938، غير أن النكبة هجرّته من قريته، مثلما أقصت والده عن يافا، حيث كان يعمل في بيع الخضروات، وحرم هو من مواصلة تعليمه في مدارس الرياض التابعة لبلدية يافا.
يضيف بلغة عربية سليمة:" درست الصف الأول والثاني في يافا، وأكملت الثالث في زرعين، وانتقلت بعدها إلى برقين قرب جنين، وانقطعت كثيراً بعد الثانوية العامة، لأتابع رحلتي الدراسية في كلية الشريعة بالخليل انتساباً، العام 1980، حيث كان ذلك التخصص الوحيد فيها، لكنني انسحبت بعد إنهاء السنة الثالثة؛ لأن الإدارة رفضت الاعتراف لي بمنحة تفوق، على الرغم من حصولي على المركز الثاني في الكلية.
وبدأ جلامنة في مهنة التدريس العام 1957، وحتى بدايات العام 1988، تنقل خلالها بين برقين، وعرابة، وفقوعة، وجنين، وقباطية، ودير أبو ضعيف. يقول: عملت 30 سنة وثلاثة أشهر وعدة أيام معلماً، درست خلالها العربية والإنجليزية والجغرافيا والتربية الإسلامية، وكنت أعلم الطلاب الخط العربي على أصوله، الذي يُعد هواية بالنسبة لي. أما عملي مأذوناً فقد بدأ في العام 1987، واستمر حتى قدّمت استقالتي في تشرين أول 2009، واشتمل مخيم جنين، وبرقين، وكفر قود، وكفرذان، والهاشمية.
غير أن جلامنة تعرض لجلطة في الثاني والعشرين من نيسان العام 1990، حينما كان يصلي إماماً في المسجد، نقل على إثرها إلى مستشفيات جنين والناصرة والقدس، وتسببت له بشلل نصفي، وأمضى 45 يوماً على سرير الشفاء.
ومما يتذكره القصة التي نقلها له اثنان من أصدقائه المُقربين، ففي اليوم الخامس والأربعين لمرضه، قال الطبيب لهما إن صاحبهما يحتاج لإجراءات الدفن، وتسجيل شهادة وفاة؛ لأن أمره قد انتهى، ولن يتطلب الأمر غير ربع ساعة لإخراجه ميتاً.
لكنه نطق الشهادتين بعد وقت قصير، وعاد إلى الدنيا، ما أثار دهشة الأطباء، الذين أكدوا أن ما حصل ليس بالأمر المألوف، إذ أن مفاهيم الطب كلها، أكدت أن أمره انتهى، غير أن أرادة الخالق كان لها رأي آخر.
ويحتفظ أبو حذيفة اليوم بمكتبة تضم أعداداً كثيرة من مجلة العربي الكويتية، بعضها يعود إلى العام 1957، وسنوات الستينيات والسبعينات، والآخر حديث الصدور. إذ كان يحرص على اقتنائها، وقراءاتها، ومن خلالها تعرف على الكثير من مدن العالم وفلسطين، كطولكرم واللاذقية والأمارات وأدغال أفريقيا وآسيا، كما تابع بشغف افتتاحية رئيس تحريرها أحمد زكي وطرائفها وموادها الجذابة.
ولا تكاد وثائق والده في زرعين وبطاقات هويته، وشهادات ترخيص منزله، والضرائب التي كان يدفعها، وحجج الأرض التي تسبق النكبة بسنوات عديدة، تغادر قبضته، ويتفقدها بين وقت وآخر، ويعرضها لأولاده: ثلاثة أبناء، وخمس بنات وأحفاده الـتسعة عشر.
يقول بابتسامة طوقت وجهه الملتحي: بدأت في توثيق حالات الزواج خلال عملي مأذونا في المحكمة الشرعية منذ العام 1987 وحتى 2009، وصرت أُدون الوفيات في بلدتي برقين منذ مطلع التسعينيات وإلى يومنا هذا. وعندما كنت أُسجل عقود الزواج بحكم عملي، أخذت أفكر في عمل مماثل لمن يرحلون عن هذه الدنيا، وبدأت بهذه المهمة، وصار سجلي الآن يحتفظ بمئات الوثائق للمتزوجين وللموتى.
يتابع: في اللحظة التي استمع فيها إلى نبأ وفاة أحد المواطنين من بلدتنا سواء في برقين أو في الأردن والخليج أو أي مكان في الدنيا، أسرع إلى دفتر يومياتي، وأدون أسمه، ورقمه المتسلسل، وتوقيت الوفاة، وتاريخها الهجري والميلادي، ملاحظات أخرى حول مكان الوفاة، وصرت مرجعاً لمن يريد معرفة تاريخ رحيل والده أو أخوته أو أي قريب له، مثلما تحولت إلى مركز معلومات لمن يرغب في استصدار عقد زواج بدل الذي فقده.
ووفق أبو حذيفة، فإن عدد الوفيات التي جمعها وصلت إلى 564، غير أن حجم الزيجات يفوق ذلك بكثير، مثلما لا تخلو "طقوس" مهنة المأذون الشرعي من مواقف وغرائب، وأبرزها حالة زواج لم تدم غير عدة ساعات، وبكاء إحدى الفتيات خجلاً عند سؤالها عن رغبتها بالزواج من ابن عمها، وإعادة عقد زواج لعجوز سبعيني عدل عن تطليق زوجته.
وأبصر جلامنة النور في زرعين في التاسع والعشرين من أيار العام 1938، غير أن النكبة هجرّته من قريته، مثلما أقصت والده عن يافا، حيث كان يعمل في بيع الخضروات، وحرم هو من مواصلة تعليمه في مدارس الرياض التابعة لبلدية يافا.
يضيف بلغة عربية سليمة:" درست الصف الأول والثاني في يافا، وأكملت الثالث في زرعين، وانتقلت بعدها إلى برقين قرب جنين، وانقطعت كثيراً بعد الثانوية العامة، لأتابع رحلتي الدراسية في كلية الشريعة بالخليل انتساباً، العام 1980، حيث كان ذلك التخصص الوحيد فيها، لكنني انسحبت بعد إنهاء السنة الثالثة؛ لأن الإدارة رفضت الاعتراف لي بمنحة تفوق، على الرغم من حصولي على المركز الثاني في الكلية.
وبدأ جلامنة في مهنة التدريس العام 1957، وحتى بدايات العام 1988، تنقل خلالها بين برقين، وعرابة، وفقوعة، وجنين، وقباطية، ودير أبو ضعيف. يقول: عملت 30 سنة وثلاثة أشهر وعدة أيام معلماً، درست خلالها العربية والإنجليزية والجغرافيا والتربية الإسلامية، وكنت أعلم الطلاب الخط العربي على أصوله، الذي يُعد هواية بالنسبة لي. أما عملي مأذوناً فقد بدأ في العام 1987، واستمر حتى قدّمت استقالتي في تشرين أول 2009، واشتمل مخيم جنين، وبرقين، وكفر قود، وكفرذان، والهاشمية.
غير أن جلامنة تعرض لجلطة في الثاني والعشرين من نيسان العام 1990، حينما كان يصلي إماماً في المسجد، نقل على إثرها إلى مستشفيات جنين والناصرة والقدس، وتسببت له بشلل نصفي، وأمضى 45 يوماً على سرير الشفاء.
ومما يتذكره القصة التي نقلها له اثنان من أصدقائه المُقربين، ففي اليوم الخامس والأربعين لمرضه، قال الطبيب لهما إن صاحبهما يحتاج لإجراءات الدفن، وتسجيل شهادة وفاة؛ لأن أمره قد انتهى، ولن يتطلب الأمر غير ربع ساعة لإخراجه ميتاً.
لكنه نطق الشهادتين بعد وقت قصير، وعاد إلى الدنيا، ما أثار دهشة الأطباء، الذين أكدوا أن ما حصل ليس بالأمر المألوف، إذ أن مفاهيم الطب كلها، أكدت أن أمره انتهى، غير أن أرادة الخالق كان لها رأي آخر.
ويحتفظ أبو حذيفة اليوم بمكتبة تضم أعداداً كثيرة من مجلة العربي الكويتية، بعضها يعود إلى العام 1957، وسنوات الستينيات والسبعينات، والآخر حديث الصدور. إذ كان يحرص على اقتنائها، وقراءاتها، ومن خلالها تعرف على الكثير من مدن العالم وفلسطين، كطولكرم واللاذقية والأمارات وأدغال أفريقيا وآسيا، كما تابع بشغف افتتاحية رئيس تحريرها أحمد زكي وطرائفها وموادها الجذابة.
ولا تكاد وثائق والده في زرعين وبطاقات هويته، وشهادات ترخيص منزله، والضرائب التي كان يدفعها، وحجج الأرض التي تسبق النكبة بسنوات عديدة، تغادر قبضته، ويتفقدها بين وقت وآخر، ويعرضها لأولاده: ثلاثة أبناء، وخمس بنات وأحفاده الـتسعة عشر.