الأفكار الغازية في مؤتمر الخارطة الجينية للجن!! موفق مطر
يكتبون في دعواتهم ويصفون مؤتمرهم الذي سيعقدون وينظمون بالدولي، وان القضايا المطروحة وطنية مصيرية.
تصل قاعة الفندق (ابو خمس نجوم) فتجد الصبايا بازيائهن، فتهديك احداهن محفظة وكراسا مروسا بشعار المؤتمر وكتيبات ومنشورات، أما اذا كنت نسيت قلمك في جيب بدلتك التي كنت ترتديها بمؤتمر "شعر الجاهلية في صد العلمانية"!! فان قلم المؤتمر جاهز ومدموغ، ومطبوع، فالمنظمون يحبون أن يكون الحضور أصحاب أقلام !!
نجلس، نصغ، "نبحلق" بأشخاص من اليمين واليسار، لايكفون عن "الثرثرة" في حضرة محاضر (سوبر فهمان) في مؤتمر دولي أو وطني، فالموضوع بالنسبة لهؤلاء ليس اكثر من "قعدة على قهوة" وطنية او دولية.
منظمو مؤتمرات أنبل القضايا يحشروننا في "درخوش" الوقت، بعد ان يستهلك المتكلمون الأوائل الوقت، فلا تسمع مدير الجلسة الا وهو يطالب المتكلمين الذين يتمتعون باستنساخ ما قاله سابقهم، وخرق اسماعنا باعادة الاسطوانة ..
كلما حضرنا مؤتمرا استرجع من ادراج ذاكرتي "مطعم الجامعة" فأتخيل نفسي في مؤتمرات شاورما يعني شوي اللحم عالنار باللف والبرم يعني الدوران!
اذا كان المتكلم أو المتحدث صديقا أو عزيزا على رئيس الجلسة، أو من المشهورين بألقابهم وليس بأعمالهم أو أفكارهم أو انتاجهم الادبي والفكري والعلمي، أوممن يتفننون في الظهور عبر الوسائل الاعلامية، ويتقنون صف المصطلحات المستوردة واطلاقها بمخارج الحروف، أو كالذي كأنه "بالع" راديو على الريق "لا تعرف من وين بينطفي" ويا رحمتنا من السما اذا بدأ الكلام!! فإنه يحظى بجل الوقت وفوقها "حبة مسك" وحفنة كلام شكر وتقدير، فهل رسم الرجل الخارطة الجينية للجن ولا نعلم.
"راحت السكرة وأجت الفكرة" مثل شعبي، لكنه في مؤتمرات من هذا النوع سيصير راحت الفكرة وبقيت العكرة!! تسبح في بلا توازن في بحر التأتأة الفكرية والسياسية والثقافية، والحكي الشروي الغروي اللي ما بيودي ولا بيجيب.
بعد عقود ترانا نحن الذين اجبرنا على تجرع كؤوس الهزائم والنكسات والنكبات تتبخر من أدمغتنا "الفكرة" على حرارة وسخونة أطباق الفنادق ذوات النجوم الخمسة بعيون الشيطان!!
تخيلوا التخمة بعد المجاملات وطق الحنك و"الحشي" يعني الحكي!! فالشين هنا محل الكاف في لهجة من لهجات العرب– ولك جائزة المليون ان استطعت اخذ الخلاصة من اكبر دماغ!!
هنا باحثون ودارسون ومحاضرون ومتكلمون (ماشاء الله) بس ليش مولدات الأفكار عندهم، مكربجة أو متأكسدة، متشربكة؟ لا نعرف.
أوراق يسمونها أبحاثا ودراسات وأوراق عمل، لكن قليل جدا اللي ممكن تنور فضاء العقل، تشعر وكأنك في ظلمة المؤتمرات أفكار معاصرة، نعمل على تجسيمها ثم ننظم أنفسنا للانتصار لها، مش مبارزات لسانية.
المؤتمرات افكار خلاقة ورؤى تدب الحياة في مفاصل حاضرنا، تدفعنا نحو مستقبل آمن!! لكنها في كثير من الأحيان اليوم "حفلة كلام ببلاش" تبلغ ذروة حماس المشاركين فيها عند بوفيه "النسكافيه" والشاي والمقرمش.
مؤتمرات وورشات اليوم التي فيها بين المحور والمحور أطباق ضأن ودجاج محمر و"مشمر" سرعان ما تلفلف جلساتها، ويقرأون وصايا المؤتمر وقراراته على "عجلة مبنشرة"!! قبل أن يحتل سلطان النعاس ناصية الذين هبروا وخرجت "أفكارهم الغازية" كبخار مع الأنفاس!!