شيء ما يحصل في إسرائيل - غازي السعدي
شن وزيرا الجيش الإسرائيلي السابقان "موشيه يعلون"، و"أيهود باراك"، هجوماً كاسحاً على رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، واصفين إياه بالأخطر على إسرائيل، وانضم إليهما رئيسان سابقان لأركان الجيش في الانتقادات، "بيني غانتس" و"غابي اشكنازي"، مما يشير إلى تحالف الجنرالات، إضافة إلى شرائح إسرائيلية واسعة، لهجوم منظم على نهج "نتنياهو"، متهمينه بتأجيج المخاوف في أوساط الجمهور، وخلق صراعات وانشقاقات في أوساط الشعب، وإلحاق الضرر بالجيش، ودفع إسرائيل إلى الهاوية، جاءت هذه الاتهامات، في مؤتمر هرتسيليا الإستراتيجي السنوي متعدد الأهداف رقم (16)، حيث تعرض "نتنياهو" فيه إلى هجوم غير مسبوق، تحت شعار "إسقاط نتنياهو". في خطابه أمام المؤتمر، قال وزير الجيش المستقيل "موشيه يعلون"، أن جماعات متطرفة دينية، وتحمل أيديولوجية متطرفة، تمكنت من السيطرة على حزب الليكود، وان القيادة تنجر وراءها في الوقت الذي لا يوجد تهديد حقيقي على وجود إسرائيل، وقال:"فقط الأعمى والساذج والجاهل والمتحجر، لا يرى ما نراه، من بشائر فاشية، وعلينا أن نخرج من وصمة الأزمات الأربع: التشاؤم، السلبية، الرعب، وشعور الضحية، وأنه لا وجود لزعيم واحد في العالم، يصدق "نتنياهو"، داعياً للإطاحة به، وقال أن إسرائيل بحاجة إلى قيادة أخرى، تأخذ ببوصلة وليس بطاحونة هواء، تتمسك بوثيقة الاستقلال، وليس بكتاب "نظرية الملك" الذي وضعه الحاخامان المتطرفان، "اسحاق شبيرا"، و"يوسف اليتسور"، حول أحكام التوراة، في قتل غير اليهودي "الغوي" في السلم وفي الحرب. مؤتمر هرتسيليا متعدد الأهداف، الذي بدأ انعقاده منذ عام 2000، هو الأهم الذي يضع الإستراتيجيات التي تأخذ بها الحكومات الإسرائيلية، والذي يشارك فيه النخبة الإسرائيلية والتي تدلي بدلوها، في جميع المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية وغيرها، وكل في مجاله، وفي هذا المؤتمر-مدار المقال- شارك السفير المصري لدى إسرائيل "حازم خيرت"، لأول مشاركة علنية، وسفير الأردن "وليد عبيدات" الذي يحافظ على مستوى إعلامي، والصحفي الفلسطيني "الياس زنانيري"، نائب رئيس لجنة التواصل الفلسطيني مع المجتمع الإسرائيلي، و"أحمد مجدلاني" عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ونائب الكنيست "أيمن عودة" رئيس القائمة العربية المشتركة، و"رياض خوري" أستاذ جامعي أردني، و"نادية أبو الهيجا" من جامعة تل-أبيب، و"سليمان الشيخ" مدير سابق لمركز بروكينغز في قطر، و"عصام زيتون" الذي ادعى أنه ممثل عن الجيش السوري الحر، إضافة إلى عدد من رؤساء البلديات داخل المنطقة 1948، وجميعهم أكدوا على مبادرة السلام العربية. وقد أحدثت هذه المشاركة العربية الواسعة، جدلاً واسعاً بين المعلقين والمتابعين، منهم من اتهموهم بالتطبيع، ومنهم من اعتبر مشاركتهم وأقوالهم مساهمة في نقل وجهات نظر الفلسطينيين في الصراع العربي-الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، بدلاً من نقلها إلى المسؤولين الإسرائيليين، وإلى الرأي العام الإسرائيلي، بصورة مجزأة وغير دقيقة. "أيهود باراك" رئيس وزراء إسرائيلي سابق، كان من أشد مهاجمي "نتنياهو"، حيث اتهم حكومة "نتنياهو" بأنها تتميز بوجود بوادر للفاشية فيها، وقال أنه طالما لا يوجد اليوم تهديد أمني على وجود إسرائيل، فإن السلطة الإسرائيلية وعلى رأسها "نتنياهو" تعمل من أجل خلق مخاوف وجودية فورية في وعي الجمهور، وأن هناك تهديدات إقليمية على إسرائيل، وحسب "باراك" لاعتبارات شخصية لمحافظة "نتنياهو" على بقائه بالحكم، وإلحاقه الضرر المتواصل بالديمقراطية، وأنه مع التطرف والانغلاق والعمى الذي سيطر على رئيس الحكومة وحكومته، فإننا جميعاً ذاهبون إلى الهاوية، والقول لـ "باراك"، الذي هاجم-في خطاب طويل ومفصل- "نتنياهو" بشدة، وسماه وحكومته بالضعفاء، صارخين ومتطرفين، مؤكداً أن "نتنياهو" وحكومته فشلا في ضمان الأمن لمواطني إسرائيل، وأن الأمر الذي على رأس أولويات "نتنياهو" وحكومته ليس أمن إسرائيل، وليس الحفاظ على الديمقراطية ووحدة الشعب، بل الزحف المخادع إلى أجندات الدولة الواحدة من النهر إلى البحر، هذه الأجندة التي تشكل تهديداً مباشراً على هوية ومستقبل إسرائيل والمشروع الصهيوني، فإسرائيل بحاجة إلى قيادة أخرى للحكم، لإخراج إسرائيل من أزماتها. من بين الخطباء الإسرائيليين، الذين تحدثوا في المؤتمر، كل من: الرئيس الإسرائيلي "رؤوبين ريفلين"، ورئيس الكونغرس اليهودي العالمي "رونالد لاودر"، ورئيس مركز هرتسليا "أورئيل رايخمان"، ووزير التعليم "نفتالي بينت"، ووزير الداخلية "آريه درعي"، وزعيم المعارضة "إسحاق هيرتسوغ"، ورئيسة حزب ميرتس "زهافا غالؤون"، والجنرال "هرتسي هليفي" رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. "نتنياهو" الذي كان من المقرر المشاركة في المؤتمر، اعتذر عن الحضور، هاجم "يعلون" في بيان من خلال مكتبه جاء فيه:"لا يمكن لـ "يعلون" أن يقول في خطابه في مؤتمر ميونيخ قبل أربعة أشهر، أن إيران هي تهديد وجودي على إسرائيل، وأن يقول في مؤتمر هرتسيليا، أن وجود إيران لا يشكل تهديداً على وجود إسرائيل، متهماً "يعلون" بالنفاق والتلون، لكن "نتنياهو" نفسه وقبل يوم واحد من الانتخابات الأخيرة، أعلن عن رفضه لحل الدولتين، جاء ذلك في مقابلة متلفزة، وبعد أن فاز بالانتخابات، عاد وأيد خطابه في جامعة بار ايلان، الداعي لحل الدولتين، كما أنه أعلن عن وجود عناصر إيجابية في مبادرة السلام العربية، ثم عاد ليعلن أنها مبادرة سيئة مرفوضة، يرفضها جملة وتفصيلاً، فهذا هو التلون بعينه، والمطلوب منه الإعلان بصراحة وبوضوح، إذا كان يؤيد حقيقة إقامة الدولة الفلسطينية، كذلك بالنسبة لمبادرة السلام العربية، أم أنه يعارضهما، وليجسد أقواله بالأفعال. لاشك أن هناك انقساماً واضحاً داخل المجتمع الإسرائيلي، من موضوع السلام، وأن هذا الانقسام، بداية لإفراز خارطة جديدة، فإن "موشيه يعلون" الذي أقيل من منصبه بشكل مهين، لم يدع أي مجال للشك، على أنه سيخوض المنافسة القادمة على رئاسة الحكومة، ضد "نتنياهو"، رغم أن الإطار الذي سيخوض عبره المنافسة ليس واضحاً بعد، والاعتقاد أن "يعلون" شرع بالعمل على تشكيل حزب جديد، أو جبهة سياسية واسعة لجميع معارضي "نتنياهو"، كما أن هناك لاعبين آخرين، إضافة إلى "يعلون"، و"أيهود باراك" الذي يعمل من أجل إسقاط "نتنياهو"، مع أنه أعلن أنه لن يترشح في الانتخابات القادمة، وحسب "القناة الثانية 17-6-2016"، فإن رئيسا أركان الجيش السابقان، "بيني غانتس" و"غابي اشكنازي"، أعلنا عن عزمهما تأسيس حركة اجتماعية جديدة تحت اسم "بنيما" أي الداخل، بمشاركة وزير التعليم السابق من حزب "هناك مستقبل" الحاخام "شاي بيرون" وآخرين، فهناك بوادر لتشكيل تحالف ديمقراطي كبير، لخوض الانتخابات القادمة، وهذا إيجابي إذا كان هذا التحالف، يلتزم ببرنامج سياسي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية، فإسقاط "نتنياهو" مهم، ولكن الأهم إنهاء الصراع، وتحقيق السلام، ودون ذلك فإن الأزمة، وأزمة الحكم في إسرائيل سيقابلها التوتر واستمرار المقاومة. انتهى....