الجمعة البوسفورية والانقلاب بالانقلاب - موفق مطر
هل ما حدث في تركيا احد اهم مظاهر المخاض الاقليمي؟! وهل ترانا امام بداية عملية دفع تركيا بعد ايران الى قائمة الفرق المحلية بعد تصدرها قائمة المحترفين في الاقليم؟! نعتقد أن الجواب نعم، فجميع دول حلف الناتو الكبرى معنية ببقاء تركيا قوية، ولكن ليس الى الحد الذي يمكنها من التحليق خارج سربه، او التصرف بالاقليم بما لايخدم الحلف.
لا تحتاج اوروبا الى قرارات تركيا لاستعادة احكام الاعدام لتقف مانعا امام طموحها في الانضمام للاتحاد الأوروبي، فلدى اوروبا امكانية خلق الموانع الكثيرة، لكن هذا المانع سيكون صناعة تركية خالصة، اي كابحا تركيا ذاتيا، ونعتقد ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قد يأس من فكرة الانضمام لأوروبا، فكانت عملية (الانقلاب بالانقلاب) على ركني الدولة الجيش والقضاء، مستغلا، او مدبرا انقلاب بعض العسكر.
ليست بريئة ولا ردة فعل عملية اقصاء القضاة، فالمفصولون من سلكه والملاحقون والمقبوض عليهم تكاد توازي عدد العسكريين والمدنيين المتهمين في الشروع بالانقلاب، فأردوغان كان قد اعلن نيته تغيير الدستور، وكان قد عزل قضاة اشتغلوا على ملفات قضايا فساد لا يريد اظهار حجمها وارتباط اشخاص وجماعات قريبة منه بها، اما دعواته لتسريع عمليات الاعدام، واعلان رئيس حكومته بن علي يلدريم انه لا يمكن تجاهل هذه الدعوات، فهي احدى علامات الاستفهام الكبرى التي تحيط باحداث يوم الجمعة 15 تموز الدراماتيكية والدموية ايضا باعتبار حوالي 300 روح انسان تركية قد ازهقت في تلك الليلة.
لكن هل هناك من اراد من تلك الليلة ان تكون تجربة، لاختبار قوة الدولة الموازية لاردوغان وحزبه في تركيا الدولة عموما والجيش والجماهير القادرة على النزول الى الشارع خصوصا؟! نعتقد ان دولا كبرى كانت معنية بهذه التجربةـ خاصة وان التغييرات الاقليمية المنتظرة كولادة دول او دويلات او كيانات جديدة قد تقضم من تركيا بعض اراضيها، تتطلب تحييد القوتين العظميين في تركيا وهما الجيش والجماهير المساندة للقيادة السياسية.
(الجمعة البوسفورية) ان جاز لنا تسميتها بذلك، نظرا لمشهد جنود الأتراك المستسلمين والعراة من زيهم العسكري، وصور الاذلال من مدنيين، بعد القاء اسلحتهم عند مداخل جسر البوسفور الرابط بين الجزء الاسيوي من تركيا مع الجزء الاوروبي اسطنبول، قد تكون ليلة الجمعة هذه احد دوافع جنرالات الجيش التركي الذي احس بمرارة المهانة، للتفكير بجدية بمخاطر الجيش الموازي الذي تم تخليقه وتنميته في تركيا في غفلة الانتعاشة الاقتصادية، وانشغاله في لعبة الاقليم العراقية والسورية، والمشكلة الكردية، والخصومة الجارحة مع روسيا.
لا يعنينا التدخل في الشأن الداخلي التركي، فمصالح تركيا الدولة يراها الأتراك انفسهم، اكثر من اي منا، لكن بما هو مرتبط بقضيتنا، فقد اثبتت لنا احداث الجمعة البوسفورية ان التطبيع مع دولة الاحتلال الاسرائيلي التي تعمل على تهويد الأقصى والقدس اولى قبلات المسلمين لا يهم الجماهير التركية، وانهم معنيون بقيادة الرئيس رجب طيب اردوغان الذي وجدوا فيه ضمانا لاقتصاد بلادهم المتقدم، ولرفاهية يطمح اليها اي مواطن في اي دولة كانت، فكيف اذا تعلق الأمر بحزب ذي توجهات اسلاموية يتبع اعضاؤه اشارة القائد بلا تردد او تفكير بالعواقب !.
ما يحدث في تركيا خطير وخطير جدا، فقد نكون امام المشهد الأول من مسرحية افراغ دعائم الدول القوية في المنطقة من مضامينها وابقائها عروشا فارغة، ومجرد قواعد انطلاق في كل اتجاه في مشروع احكام السيطرة على مفاتيح العالم.