المُعاناة على مَعبر الكرامة.. الصمت لم يعُد مُمكناً - باسم برهوم
المُعاناة المريرة التي يمُر بها المواطن على معبر الكرامة، تحولت إلى حديث الساعة الأبرز في كل بيت وفي كل مقهى وشارع. ويتبادل المواطنون الحديث بالتفاصيل عن تجربتهم الشخصية القاسية في كُل مراحل سفرهم على المعبر في لقاءاتهم الاجتماعية.
وهناك اجماع على أن المشكلة المُزمنة آخذة بالتفاقُم، وأن السكوت عنها أصبح غير مقبول بتاتاً، وعدم إيجاد حلول جدية وبأسرع وقت، سيعمق اليأس والاحباط لدى المواطنين، الذين يدفعون كل أشكال الرشوة لكي يتسهل مرورهم ويدفعون من المال اضعافا بالمُقارنة مع أي مُسافر آخر بالعالم، هذا الاحباط واليأس من الصعب التنبؤ متى وكيف سيعبر.
وبهدف التوضيح، ولمن لا يعرف سأعرض تجرُبتي الخاصة التي مررت بها أنا شخصياً يوم السبت الفائت عندما كُنت عائداً من الأردن إلى منزلي في رام الله، وصلت المعبر من الجهة الاردنية الساعة الثامنة صباحاً ولأن الموسم صيف وتوقعي أن هُناك مسافرين كثيرين ولأن اليوم يوم سبت، اليوم الذي يُغلق فيه الاسرائيليون المعبر قبل الظهر، توجهت إلى الـ(VIP) وبرُغم معرفتي أنني سأدفع مبلغ 110 دولارات.
ولأن زوجتي معي فسندفع 220 دولارا أو 300 دولار. ذهبت إلى هُناك لأجد المكان تعمه الفوضى لوجود مئات المواطنين الذين يحاولون بيأس تقديم جوازات سفرهم للموظفين المعنيين بلا فائدة.
حاولت مثلهم أن أركض وراء موظف وآخر وأن أتحدث معه، بلا أي جدوى. أحدهم قال لي: "يا أخي أنصحك قبل أن يفوت الوقت أن تذهب إلى الباصات". والمقصود هُنا العودة إلى وسيلة العبور العادية والأرخص ثمناً لكنها الأكثر معاناة.. ذهبت لأجد كتلة بشرية هائلة تتدافع تحت شمس الأغوار الحارقة، من مُختلف الأعمار. من أطفال عمرهم أيام وأسابيع إلى كبار بالكاد يستطيعون المشي.
انضممت أنا وزوجتي إلى الكتلة البشرية وأصبحنا جُزءاً من التدافع وجزءاً من الشتم والسباب والعرق المُتصبب الذي يُغطي وجوه وأجساد الناس. وذلك أملا بالحصول على دور في إطار عملية طويلة تتم على مراحل عديدة.. لأن من يدخلها يُصبح له أمل بالعبور.
بعد جُهد طويل زوجتي نجحت بتخطي الحاجز وانا بقيت خلفها انتظر تحت الشمس الحارقة، أحد رجال الشُرطة الأردنيين عرض علي ماء للشُرب، لكن ليس الماء ما أُريد، أُريد الانضمام لزوجتي والدخول ضمن مراحل العبور.. وبعد انتظار حوالي 20 دقيقة، سَمح لي ولغيري بتخطي الخط، وذهبت للانضمام الى زوجتي، وبدأنا رحلة العبور ضمن مراحلها المُتعددة.
هُناك لحظات معاناة صعبة عند نقطة استلام حقيبة السفر ووضعها في الباص.. ذهبت زوجتي للباص وانا ذهبت لأخذ الحقيبة لأفاجأ بألاف الحقائب مُلقاة على الأرض أكواماً أكواما وناس يهيمون على وجوههم بحثاً عن حقائبهم.. انضممت اليهم ولم أفلح بإيجاد حقيبتي الا بعد اكثر من نصف ساعة وبمساعدة أحد الحمالين. الذي ساعدني مقابل مبلغ من المال.
ما أن وجدت الحقيبة كان الباص الذي كانت به زوجتي قد غادر، ولم استطع الالحاق بها إلا بعد اربعة باصات وعندما وصلنا إلى الجانب الاسرائيلي من المعبر وجدنا أكثر من سبعة باصات تنتظر في الدور، مما يعد مزيداً من المعاناة والبقاء في الحافلة لفترة طويلة من الوقت.
وبعد انتظار وصلنا إلى نقطة تسليم الحقائب للتفتيش والنزول للتفتيش ومن ثم إلى الجوازات. وعند الحقائب كان لا بُد من إعطاء أحد الحمالين مبلغاً من المال ليُسهل عليك التقدم بدورك. وبعد الانتهاء من التفتيش والجوازات نذهب لاستلام الحقائب وقبل ذلك هناك موظفة اسرائيلية لا بُد من المرور عليها للتأكد من أنك مطلوب لتفتيش حقيبتك أولاً. هُناك وجدت كتلة بشرية بحالة فوضى للدخول من عنق الزجاجة إلى قاعة استلام الحقائب بسبب وجود موظفة واحدة تقوم بخدمة آلاف المسافرين.
باختصار لقد خرجنا من عمان الساعة السابعة صباحاً ووصلت إلى منزلي منهك القوى مكسورا عضوياً ونفسياً، في رام الله الساعة الثانية والنصف بعد الظهر..
ما هو الحل؟
من دون شك أن كل هذه المعاناة هي جزء من معاناة أكبر سببها هذا الاحتلال الذي نهب أرضنا وأحتل وطننا وشرد معظمنا وما بقي منا على أرضه يُعاني من العُنصرية والاضطهاد وهدر الكرامة وتقييد الحركة.
ولكن بالرُغم من الاحتلال، فإن حلولاً يجب البحث عنها، وهي مُمكنة ليكون عبور الفلسطينيين أسهل وأيسر وبكرامة، وهُنا تقع المسؤولية على أربعة أطراف، سُلطة الاحتلال بالأساس والجانب الأردني، والسلطة الوطنية والمواطن ذاته. وسأبدأ بنا نحن الفلسطينيين سلطة ومواطن، فمسؤولية السلطة هي مواصلة الضغط على الجانب الاسرائيلي كي يفتح المعبر على مدار الساعة، فكل نقاط الحدود في العالم تبقى مفتوحة، وخصوصاً في فصل الصيف عندما يكون الازدحام على أشُده، وفي الشتاء يُمكن أن يستمر حتى مُنتصف الليل. كحلول مؤقتة، وسررت اليوم عندما قرأت مُطالبة الأخ نظمي مهنا مُدير عام المعابر الجانب الاسرائيلي بضرورة فتح المعبر 24 ساعة.
أما المواطن فهو أيضاً يتحمل مسؤولية تأخير نفسه، عندما يتصرف بأنانية وبطريقة فوضوية تؤثر على سلاسة الإجراءات وتقدُمها ما يؤدي إلى تأخير الجميع.. فالمطلوب التصرُف بحضارية والالتزام بالنظام. وبخصوص الأشقاء في الأردن فهم من دون شك يقومون بكل ما يستطيعون لتسهيل مرور المسافرين، لكن علينا نحن وهم ايجاد حلول للمحطات التي يحصُل فيها تأخير إما بزيادة عدد الموظفين أو إعادة تنظيم هذه المحطات بطريقة تُسهل على المسافر المرور السريع، وخصوصاً في محطتين الجوازات والحقائب، وهذه الأخيرة يجب إعادة النظر بها بأسرع وقت لأن معاناة المواطن هناك مريرة وهو يحاول إيجاد حقائبه.
إن الحل الأمثل يكمُن في أن يكون للشعب الفلسطيني دولة ذات سيادة تتحكم بأرضها وأجوائها وحدودها، ولكن في ظل الواقع الراهن فإن المطلوب أن يكون للشعب الفلسطيني مطار يُسافر منه ومعبر مفتوح على مدار الساعة. فإذا لا تسمح اسرائيل لنا باستخدام مطار اللد (بن غوريون) فلا بد من العمل لاجبار الاحتلال على بناء مطارنا أو إعادة تأهيل مطار قلنديا لنُسافر منه للدول المجاورة.. أما السكوت على الواقع الحالي فهو أمر غير مقبول بتاتاً.. فالصمت لم يعُد مُمكناً أمام هذه المعاناة الرهيبة.