إعادة طرح مبادرة السلام العربية لقطع الطريق على مزايدي القضية - د علي بن حمد الخشيبان
أعتقد أن إعادة طرح مبادرة السلام العربية لم تعد ضرورة عربية بقدر ماهي ضرورة دولية الكل سوف يحقق فيها انتصاراً فالمنطقة لن تستقر قبل عملية سلام حقيقية قدم الملك عبدالله رحمه الله، في العام 2002م مبادرة للسلام العربي مع (إسرائيل)، وقد جاءت أبرز بنود هذه المبادرة لتركز على منطلقات استراتيجية في مقدمة هذه المبادرة، وخاصة أن إعلان المبادرة أتى بعد أقل من عام تقريباً من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فخلال اجتماع القمة العربية في مارس من العام 2002م، أجمع العرب على أن المتغيرات الدولية والتحديات التي يواجهها العرب والخطر الأكبر الذي يهدد الأمن القومي يشكل منطلقاً أساسياً لما توصل إليه قادة العرب في تلك اللحظات. منطلقات مبادرة السلام العربية التي أتت في منظومة استراتيجية لم يكن هدفها الضرر بالقضية الفلسطينية أو مناقشتها كقضية مستقلة ليس لها أي تأثير او انعكاسات على العالم العربي، فتلك المبادرة أتت في خيارات صعبة أمام العرب والمسلمين الذين جاءت بهم أحداث سبتمبر إلى المسرح العالمي بطريقة مقلقة ومخيفة، وهاهم يدفعون ثمن تلك الأزمة حيث تغيرت خارطة العرب الجغرافية خلال أقل من عقد ونصف مضى وكأن تلك المبادرة تنبأت بما سوف يحصل مستقبلا والآثار التي سوف يتركها الوضع القائم بين (إسرائيل) والفلسطينيين. إحياء هذه المبادرة اليوم يجد فهماً ناقصاً من الكثير من الشعوب العربية وخاصة أن الأجيال التي تتصدر المشهد الثقافي والإعلامي في العالم العربي والإسلامي معظمها أجيال استقت القضية الفلسطينية تاريخياً من خلال خطابات إعلامية ومناهج تربوية تنوعت في العالم العربي، حيث كل دولة عربية كانت تنظر للقضية وفق منظورها الخاص ومصالحها ولم يكن هناك إجماع عربي على الموقف من الصراع الإسرائيلي العربي كما أحدثته مبادرة السلام العربية. الأجيال العربية اليوم تناقش القضية الفلسطينية وفق موروث ثقافي أكثر من كونه موقفاً سياسياً، فلا زالت الكثير من المعطيات الفكرية والثقافية التي تطرح بالإعلام العربي وفي مناهج التعليم لم يتم تحديثها مع مبادرة السلام العربية، لذلك عندما طرحت مبادرة السلام العربية عانت كثيرا من صدام مع الإرث الثقافي والفكري والسياسي السائد في العالم العربي الذي جعلها تبدو وكأنها منفصلة ثقافيا عن الشعوب الإسلامية والعربية. عندما نعود إلى مبادرة السلام العربية وبنودها لا نجد هناك الكثير من الاختلاف بين ما تنادي به الحكومات العربية على مر التاريخ وبين ما تطمح إليه الشعوب العربية تاريخيا، ولكن لأن القراءة القاصرة وضعت الاتفاقية في الإعلام العربي وكأنها تبدو عملية سلام مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين والعرب أصحاب القضية، والحقيقة انه عندما نستعرض بنود الاتفاقية ندرك انها لو تم تنفيذها بشكل دقيق فسوف تضمن الأمن والاستقرار للشعب الفلسطيني وسينتج الاتفاق دولة فلسطينية مستقلة وفقا للقرارات الدولية التي وافق عليها العرب جميعا دون استثناء. في أحد بنود المبادرة المهمة جاء النص التالي "التأكيد على أنّ السلام في الشرق الأوسط لن يُكتب له النجاح إن لم يكن عادلاً وشاملاً تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن رقم 242 و338 و425 ولمبدأ الأرض مقابل السلام"، كما أكدت المبادرة على حقوق العرب جميعاً في حل هذه القضية وتأكيد أن عاصمة فلسطين هي القدس الشرقية، في الواقع عندما تقرأ المبادرة تدرك أنك أمام مبادرة جديرة بالاهتمام والتأييد لانها سوف تضع حداً فاصلاً لما يعانية الشعب الفلسطيني من أزمات بالدرجة الأولى، بالإضافة الى ان (إسرائيل) لن تتوانى في توجيه الاتهامات للمقاومين وهي تعمل بشكل متقن على جعل العالم ينظر إليهم كونهم مجموعات من الإرهابيين وليسوا شعبا يبحث عن حقوقه في أرضه المستلبة. الأمن القومي العربي اليوم يقع تحت أخطار قومية وعقدية وسياسية واقتصادية وأيديولوجية تساوي أضعاف ما كان عليه الحال في العام 2002م، لذلك هل يجب اتخاذ القرارات من أجل إعادة طرح مبادرة السلام العربية ودفع (إسرائيل) نحو طاولة المفاوضات؟ أعتقد أن إعادة طرح مبادرة السلام العربية لم تعد ضرورة عربية بقدر ماهي ضرورة دولية الكل سوف يحقق فيها انتصاراً فالمنطقة لن تستقر قبل عملية سلام حقيقية. العالم العربي اليوم يعاني أكثر مما سبق والإرباك الذي يجتاح الكثير من الدول العربية لن يكون عملية إضعاف فقط لتلك الدول فالمستقبل العربي اذا ما تعرض للخطر فسوف ينال كل شيء بمافي ذلك (إسرائيل) نفسها، والمؤشرات التي تأتي من الجماعات المتطرفة مخيفة ومقلقة للجميع بالإضافة الى أن الدور الإيراني في المنطقة يتجه الى تصدير ثورته وتعزيز الطائفية بين الشعوب الإسلامية، وقطع الطريق على إيران وعلى المزايدين على القضية الفلسطينية من الجماعات المتطرفة فكرياً أو المتطرفة قومياً كلها مهمة وأساسية. العمل على إعادة مبادرة السلام العربية من جديد مهم والأسباب التي يمكن إدراجها خلف ذلك كثيرة، منها الوجود الإيراني الذي ساهم في خلق أزمات سياسية في الداخل الفلسطيني، وإذا لم يكن هناك قطع للطريق أمام ايران ومشروعها الطائفي في المنطقة فالنتيجة ستكون كارثية لذلك الاتجاه نحو الدفع بعملية السلام العربية وجلب (إسرائيل) إلى طاولة المفاوضات سيقطع الطريق على المشروع الإيراني. الإعلام العربي غير الرسمي بوسائله وإعلامه الجديد يحوي مجموعات متطرفة من الجماعات المؤدلجة وبقايا من متطرفين قوميين ويساريين هم أيضا يجب قطع الطريق عليهم، فلابد من طرح ثقافة جديدة حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتقديمها للجيل الجديد وفق معطيات ثقافية وتاريخية صحيحة، كما يجب إعادة النظر في مفاهيم القضية إعلامياً فما عاشة الأجداد حول القضية لم يعد هو ذاته، بل أصبحت المتطلبات والمتغيرات مختلفة وعلى الجميع فهمها وخاصة ان تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي أثبت لنا ان مستغلي القضية الفلسطينية اكثر من مستثمريها لصالح الشعب الفلسطيني نفسه. اليوم تكاد القوى العربية أن تعلن غيابها ولم يبقَ على الساحة لقيادة المنطقة بجانب دول الخليج العربية الكثير من الدول التي تدرك أن الأمن القومي العربي يتعرض لتهديدات مضاعفة، وأن الأمن القومي الخليجي بحاجة إلى حماية من التطرف والانحراف، وهذا مبرر مؤكد لقيام الدول الخليجية بدفع عملية السلام العربية من أجل استقرار أمثل للمنطقة وقطع للطريق على أعداء المنطقة سواء من داخلها أو خارجها من أجل قيادة المنطقة إلى عملية سلام فعلية ودولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.