الانتخابات المحلية والاختراق الديمقراطي-حسن سليم
الشهيد ياسر عرفات وما كان له من حضور وهيبه ونفوذ، كان بامكانه ان يكون المرشح الوحيد لرئاسه السلطة، وكان يعلم يقينا ان الفوز حليفه، لما كان يمثل ويحظى باحترام وتقدير حتى من قبل من كان يختلف معه، لكنه رفض، بل سهل مشاركة منافسته سميحة خليل.
كان ياسر عرفات يدرك ان قيمة الفوز لا تأتي الا بالمنافسة، كما كان يدرك قيمة الشرعية القادمة من صندوق الانتخابات، لكنه كان يسخر من فوز الرؤساء العرب بنسبة 99.99 %، ولهذا كان يتفاخر بان نسبة فوزه في انتخابات الرئاسة عام 1996، كانت 88%.
اليوم والشارع الفلسطيني منشغل بانتخابات الهيئات المحلية المقرر اجراؤها في الثامن من تشرين الاول المقبل، ظهرت اصوات تطالب بتأجيل عقدها، ولكل له مبرره، رغم ان عقدها يمثل استحقاقا قانونيا، الا ان البعض يعتقد ان اجراء الانتخابات في ظل حالة الانقسام والاستقطاب الكبير، وقبل تنفيذ المصالحة قد يأخذ المجتمع الى مساحة اوسع من الانقسام، فيما يرى بعض آخر ان الاولوية يجب ان تكون للانتخابات التشريعية والرئاسية، كونها تمثل استحقاقا دستوريا وقانونيا اسبق للانتخابات البلدية، فيما يفضل من هو مستفيد من بقاء الحال على حاله، الا يتم التوجه للانتخابات والقبول بالهيئات الموجودة، لاعتقادهم ان القادم لن يقدم افضل مما كان.
بالطبع لكل رأي مصلحة، لكن الغريب ان ايا من تلك الاصوات لم تنزل الى الشارع وتفتح حوارا مع الناس لتتعرف على أولوياتهم، ومدى حاجتهم للتغيير، وان كانت الهيئات المحلية اقرب الى حياتهم من المؤسسات السياسية، التي تعيش انقساما افقيا وعموديا، بل يتناولون الامر وكأنه بعض من اغراضهم الشخصية، يستطيعون التصرف بها متى شاءوا ولمن شاءوا.
الانتخابات التي قرر مجلس الوزراء اجراؤها لتكون بعد اقل من شهرين، ولا اظن انها ستجرى في موعدها، لمفاجآت متوقع ظهورها، لا يجب القبول بتغييبها، لأي سبب كان، فهي قبل ان تكون استحقاقا قانونيا، هي اداة مقاومة، طالما منعها الاحتلال، الذي عمل جاهدا لفرض هيئات لادارة البلديات، كروابط القرى، لكن شعبنا باصراره وتضحياته وقف سدا منيعا امامها، فأفشلها، كما افشل كل مشاريع الوصاية، فكان الكفاح من اجل القرار الوطني المستقل حاضرا، ليقرر الفلسطيني مصيره ويختار قيادته بصوته الحر.
واليوم وفي ظل حالة الانشغال بالاجواء الانتخابية، وان كانت لهيئات محلية خدماتية، وليست لمؤسسات سياسية، فان الفرصة مواتية لأن تكون الاحزاب والفصائل حاضرة، ولكن بشكل غير مباشر، لتصالح الشارع، وتستعيد الثقة المفقودة معه، حتى تكون جاهزة عند طلبها يوم تكون الانتخابات التشريعية والرئاسية على الابواب، بدلا من القدوم على عجل، اعتقاداً منها ان الشارع يعمل بالريموت كنترول، سينهض عند استدعائه.
ان الانتخابات التي يجري الاختلاف بشأن عقدها ولو بالنقاش، سواء من قبل الفصائل او الهيئات القائمة، كان يجب ان تكون مطلبا لهم، قبل ان تكون مطلبا للمواطن، وذلك حماية لشرعية وجودها، اما من يتخوف من توسيع الهوة في المجتمع، لينظر الى الامر من زاوية اخرى، باستخدام تلك التجربة لاحداث اختراق ديمقراطي في مجتمع يعيش انقساما بغيضا منذ تسع سنوات، نسي مواطنوه شكل صندوق الاقتراع، وجيل اخر لم يعش بعد تلك التجربة، رغم مرور سنوات على ممارسته لحقه.