هنا ولدتُ وهنا أموت - عطا الله شاهين
رغم القصف على زقاقٍ عاش فيه طفولته وعشقَ جدرانه وعبقه، ولعب فيه مع صديقته الطفلة، حينما كان جاهلا، إلا أنه لم يرد أن يبتعد عن ذاك الزقاق، الذي ما زالت ذكرياته فيه، فعلى جدران ذاك الزقاق رسم قلوب حبّ لبنات صفّه في المدرسة، كان القصف يشتد على ذاك الزقاق، إلا أنه لم يتزحزح، وظل ينظر صوب ممره، وتذكر كل طفولته فيه ونظر إلى الطابون وتذكر خبزَ أُمّه والجارات اللواتي كن يأتين لخبز أرغفة الخبز اللذيذ، الليل بدأ يحلّ على المكان، لكنه ظل واقفا هناك ينظر صوب الزقاق، الذي ترعرع في ممره .. سار صوب نهاية الزقاق ونظر صوب نافذة ذاك البيت وتذكر كيف كانت صديقته ترمي له رسائل حبٍّ صبيانية بلغة عربية مكسّرة، فالتعليم لم يكن جيدا في ذاك الوقت، كما في أيامنا هذه، وقبل أن يرحل بكى، لكن قذيفة سقطت بالقرب منه، وظلّ تحت الركام حتى الصباح، وحينما وجدوه تحت الركام وجدوا معه قصاصة ورق كتبَ عليها أردت الموت في مكان مولدي، فهنا ولدتُ وهنا أموت، في مكان لم أكن أريد من البداية الابتعاد عن عشقي الأول، إنه الزقاق الذي أحببتُ فيه كل شيء حتى غبرة الجدران ..