رفقًا بالنّقّاد يا عزيزي إبراهيم - محمد علي طه
شكوى المبدعين وتذمّرهم من النّقد ومن النّقّاد ظاهرة عربيّة وربما عالميّة. زرت دولا عربيّة عديدة والتقيت عددًا من مبدعيها البارزين كما التقيت في ندوات ومؤتمرات بأدباء وشعراء وروائيّين ومسرحيّين معروفين من بلدان عربيّة لم أزرها وسمعتهم يشكون قصور النّقد الأدبيّ في تعامله مع نتاجهم، وأذهلني كاتب عربيّ بارز عندما أخبرني بأنّ النّقّاد لم يكتبوا مقالة واحدة عن أعماله الأدبيّة، واتّهم مبدعون مشهورون النّقاد باللاموضوعيّة وبالإخوانيّات. ونلمس في إدّعاءتهم شيئًا من الحقيقة فليس جميع النّقّاد موضوعيّين. وليس المقالات النّقديّة كلّها علميّة وخالية من الإخوانيّات، فالنّقّاد بشر يجتهدون فيما يكتبون، فيصيبون ويخطئون، وتربطهم علاقات إنسانيّة بالآخرين، منها علاقات الصّداقة والموّدة ومنها عدم الاستلطاف والنّفور.
ويدرك المبدعون استحالة عمل أدبيّ كامل الأوصاف، لا عيب فيه، ولو كان همّ النّاقد البحث عن مثلبة في العمل الأدبيّ الرّائع لوجدها في مسرحيّات شكسبير وروايات ماركيز وقصائد المتنبيّ وقصص تشيخوف.
ولا أستطيع أن أجد مبرّرًا لغضب شاعر أو قاصّ أو روائيّ أو مسرحيّ من مقال نقديّ أو جملة نقديّة لأنّ هناك حقيقة على المبدع أن يدركها: نحن نكتب وهم ينتقدون. ونحن بحاجة إلى نقدهم ولكنّا نستطيع أن نحيا بدونه، أمّا هم فلا حياة ولا وجود لنقدهم بدون نصوصنا الأدبيّة. ومن يخشّ النّقد فعليه أن يتوقّف عن الكتابة ويغيب عن المسرح.
يفرح المبدع ويطرب للثّناء والمديح، فالمبدعون بشر تفرحهم كلمة وتحزنهم كلمة، ويرضون من جملة ويغضبون من أخرى، ولكن هناك بونًا شاسعًا بين الشعور الإنسانيّ وبين شنّ حرب ضروس على النّقد والنّقّاد.
إذا كتب النّاقد عن نصّ أدبيّ وأبرز عيبًا من عيوبه يغضب صاحب النّصّ، وإذا أهمل النّاقد هذا النّص ولم يعالجه فالويل له.
وهنا ينطبق المثل القرويّ على النّاقد المسكين "لا مع ستّي بخير ولا مع سيدي بخير!!".
كتب أخي وصديقي الشّاعر والرّوائيّ الكبير إبراهيم نصر الله مقالا غاضبًا عاصفًا في "القدس العربيّ" في 25 آب جاء فيه "ومنهم (النّقّاد) الذي كنّا نأمل أن يكون صورة باهرة للنّقد العربيّ وإذا به يلعب دور السّمسار، المُحبّر، الذي يكتب مدفوعًا بنرجسيّة مجنونة وموهبة فذّة تستميت لإخفاء ملامح الرّجل الصّغير فيه، فبدل أن يمتلك فضيلة الحوار والشّكّ التي تحلّى بها يومًا، استسلم لرؤية المناكفة والأخذ بالثأر، وظلّ يصغر ويصغر بصورة تستدعي كافكا، وروايته المسخ، لكنّ فضيلة مسخ كافكا أنّه تنّبه لصورته الجديدة التي صار عليها"، ويضيف أبو عليّ إبراهيم نصر الله "أمّا أسوأ النّقّاد فهو الذي يظّن أنّه ما يُكتب بالحبر يمكن أن تمحوه الخرقُ البالية، فينقلب على ما كتب كلّ بضع سنوات، فإذا كان كتب أروع ما صدر عنه بحقّ شخص ما سلبًا أو إيجابًا ينقلب على ما كتب وكأنّه فاقد ذاكرته" ويخبرنا إبراهيم نصر الله خبرًا مرعبًا بأن شاعرًا متنفّذا كبيرًا اشترى ناقدًا، وقال الشّاعر: كنّا نظنْ أنّ ثمنه مرتفع ولكنّنا اشتريناه في النّهاية بخمسمائة دولار، وليس هو فقط بل جميع أفراد شلّته.
هذا كلام قاس جدًّا وجارح ومؤلم. وأقول بصراحة: لم أعثر في مسيرتي الأدبيّة على مثل هكذا نقّاد "محترمين". ولو حدث ذلك لما اعتبرتهم نقّادًا أو أدباء. ولا حاجة لذكر مقالاتهم التّافهة فَهم لا يستحقّون أن يكتب عنهم كاتب بارز مثل إبراهيم نصر الله.
رفقًا بالنّقّاد يا عزيزي أبا عليّ إبراهيم... ولا تنسَ المثل الفلسطينيّ "حطْ في الخُرج"!!