رئاسة أوباما في حكم التاريخ - د. مراد شاهين
في كانون الثاني، 2017 تأتي ولاية الرئيس الاميركي باراك أوباما على نهايتها، ويعود سيد البيت الأبيض ليصبح مواطنا (عادياً) بلقب الرئيس السابق. في هذه الأثناء، الكل في أميركا وكثيرون حول العالم يتابعون الانتخابات الرئاسية الأميركية المزمع انعقادها في الثامن من تشرين الثاني المقبل. حتى اللحظة استطاعت الحملة الانتخابية (الطويلة والمعقدة، عادة) أن تشحذ اهتماما وترقبا غير مسبوقين ليس فقط لما للسياسة والمواقف السياسية الاميركية من تبعات في السياسة الدولية، وانما لدخول عناصر تشويق لم تكن حاضرة في حملات سابقة. عنصر التشويق الأول متمثل في شخصية ورؤية المرشح الجمهوري، دونالد ترامب. أما الثاني فهو احتمال ان تصعد هيلاري كلينتون، الى منصب الرئاسة. وقد ظهر حجم الاهتمام هذا من خلال مشاهدة أكثر من 100 مليون شخص للمناظرة الأولى لهما الأسبوع الماضي.
والمسائل التي نتوقف عندها في خضم المعترك الانتخابي والترقب هي لماذا لن يستطيع التاريخ ان يمر مرور الكرام على الرئيس أوباما، وكيف ان من سيخلفه سيسهم في تعزيز أهمية أوباما وسياساته.
أوباما هو الرئيس الرابع والأربعون خلال 227 من عمر مؤسسة الرئاسة في الولايات المتحدة، اي منذ 1789، حينما تولى جورج واشنطن منصب الرئاسة لأول مرة. منذ ذلك التاريخ توالى على منصب الرئاسة رجال ينحدرون من أصول بيضاء (غالباً أنجلو ساكسونية). ووصول السيد أوباما الى البيت الأبيض، على اية حال، ليس فقط شهادة له بالكفاءة والجرأة الشخصية؛ انها ايضاً شهادة على حيوية المجتمع الاميركي ونظامه السياسي اللذين طالما مارسا عنصرية مشينة ضد السود من أصول افريقية وغير افريقية. فلم يكن السود يتمتعون بحقوق الترشح والانتخاب لهكذا منصب الا بعد صدور قانونَيْ الحقوق المدنية والتصويت لعامي 1964 و1965على التوالي.
لقد سبق الناشط السياسي والحقوقي، القِسْ جِيسِي جاكْسُونْ، باراك اوباما في فرصة المنافسة على منصب الرئاسة عامي 1984 و1988. لكن لم يحالفه النجاح لأسباب منها نفسية وأخرى مادية وتنظيمية. فتَرَشُّحْ منافس من أصول افريقية كان لا يزال في تلك الفترة أمرا مُسْتهجَناً، حيث ان تلك القوانين بالكاد مضى عليها عشرين عاما. ويشار هنا الى ان الفوز بانتخابات الرئاسة في اميركا لا يستوجب فقط توفر المرشح الأكثر كفاءة للمنصب. فالمال والتقنيات التعبوية والتنظيمية ربما تلعب دورا حاسماً في تحديد من يستطيع الاستمرار في الحملة الانتخابية الى النهاية، ومن يجب عليه الانسحاب من البداية.
سيسجل التاريخ ان أوباما لم يكن أحد أعظم الرؤساء أو رجالات الأمة، الا أن التاريخ حتما سيبقى يتوقف عنده ويمنحه أهمية تجعله في صفوف العظماء. فكونَه أول رئيس من أصل افريقي استطاع ان ينافس على المنصب الرفيع جدا ويفوز به، هو بحد ذاته انجاز تاريخي. من ناحية أخرى استطاع أوباما أن ينجح في ولايتين رئاسيتين حقق خلالهما، رغم كل التحفظات، إنجازات على الصعيدين، الداخلي (قانون التأمين الصحي والحريات الفردية)، والخارجي (توقيع الاتفاق النووي مع ايران والانفتاح على كوبا). ولكن أوباما لن يحظى بالمديح لما حققه بقدر ما سيلقى اللوم على ما لم يحققه للجم كوريا الشمالية ومنعها من تهديد حلفاء اميركا في كوريا الجنوبية وفي اليابان. هذا بالإضافة لفشل ادارته في حل او تسوية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني (القضية الأقل اهمية في السياسة الخارجية الأميركية) رغم كل المحاولات لعمل ذلك.
يمكن رؤية أهمية ولاية الرئيس أوباما من زاوية أنه حكم في ظروف سياسية دولية شديدة الاضطراب والتعقيد،وصلت أحيانا الى حد الخوف من انفجار في العلاقات الروسية-الاميركية حول قضايا مهمة جدا مثل منظومة دفاعات حلف الناتو في بولندا، تدخل روسيا في شبه جزيرة القرم وفي الصراع حول سوريا. لكنه لم يفعل الكثير لمتطلبات مَكانَة وتَقَدُّم دور اميركا في العالم كقوة عظمى كما يرى منتقدوه، عِلماً انه كان دائما من أشد المعتقدين بالدور والمسؤوليات المنوطة ببلاده تجاه العالم. وفي إطار علاقات اميركا بحلفائها وشركائها فلم يفعل أوباما الكثير اللازم لدفع بريطانيا، مثلا، للبقاء في الاتحاد الأوروبي، ولم يفعل الكثير اللازم للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب.
ويَمنحْ رئاسة أوباما أهمية أيضا من سيخلفه وكيف سَتَسْلُكْ الولايات المتحدة سياساتها الداخلية والخارجية في حال فوز السيدة كلينتون او السيد ترامب، فلكليهما خصائص وخصوصيات. كلينتون ستكون أول امرأه تصل لمنصب الرئيس في تاريخ الولايات المتحدة. فهل ستتعامل مع خصوصية هذه الحقيقة كما تعامل الرئيس أوباما مع حقيقة أنه اول رجل غير ابيض يحكم اميركا؟ اي انها ستحرص كل الحرص لتبقى السفينة الاميركية في عهدها طافية ويسجل التاريخ انها لم تقع او لم تغرق. وفي مثل هكذا حالة، وبالنظر لبرنامجها الانتخابي ليس هنالك ما يشير الى ان لديها رؤية سَتُحدِث اختراقات جديدة. أما في حال فوز السيد ترامب بالرئاسة، غير مستبعد حتى الآن، فسيكون أول رئيس اميركي شعبوي وسياساته مثار جدل واستفهام. فبحسب برنامجه الانتخابي يريد ان يغير قواعد وأصول العلاقات الأميركية مع خصوم وحلفاء بلاده على حد سواء.
الرئيس أوباما استطاع ان يستنفد سنواته الثماني وهو يمشي فيها على حبل رقيق، فلم يقع عنه ولم يصل الى نهايته. وسيحكم التاريخ ماذا كان ليفعل وماذا كان ليحدث لو كان الرئيس أوباما، ايديولوجيا يمينيا او يساريا (ideologue)، وهل ما فعله (فِعْل القليل) هو افضل ما أمكن فعله في تلك الظروف؟