خربة قرقش.. هدوء يحتاج دبيب أقدامنا
يامن نوباني
طريق ترابية وحيدة سمح الاحتلال ببقائها، تصعد في الماشي بها إلى خربة قرقش في الجهة الشمالية الشرقية من قرية بروقين إلى الغرب من سلفيت. في آخر الصعود تستوي الأرض على شكل تلة صغيرة، تحوي ممرات منحوتة بالصخر تهبط بماشيها إلى تاريخ بعيد، يعود إلى العام 1200 قبل الميلاد.
على مساحة تقدر بثمانية دونمات، وعلى ارتفاع 400 متر عن مستوى سطح البحر، تتشكل خربة قرقش أو خربة "الشمس والقمر"، وتعود التسمية لوجود نقوش الشمس والقمر على مدخل القبر الرئيسي فيها. وتنقسم الخربة إلى قسمين: علوي وسفلي، يحوي العلوي المنطقة السكنية بما فيها من كهوف وآبار ومقالع حجارة وبرك ومعاصر عنب وزيتون ومسجد أرزة، بينما يحوي السفلي مقابر ومدافن.
تعيش قرقش هدوءاً لا يبدده سوى صوت مصنع حديد يقع على بعد أمتار قليلة من الموقع، ويعود لمستوطنة "أرئيل" الزاحفة بقوة إلى أراضي الخربة وغيرها من أراضي محافظة سلفيت.
أقيمت قرقش قبل ثلاثة آلاف عام، وتعود الى العهد الروماني. أدرجت في العام 1871 من قبل مسح غرب فلسطين، على لائحة التراث الثقافي، وفي الجهة المقابلة يحاول الاحتلال السيطرة عليها بتنظيمه مسارات سياحية للمستوطنين، بحجة وجود ارتباط توراتي لليهود فيها، كما يمنع تطويرها بمصادرته لمعدات تعبيد طريقها، وبمنع وزارة السياحة الفلسطينية من القيام بحفريات وترميم كانت ستؤدي إلى ظهور لوحة فنية طبيعية.
مدير مكتب السياحة والآثار في محافظة سلفيت منتصر موسى، يسرد لـ"وفا" تفاصيل الموقع الأثري: يحتوي القسم السفلي من قرقش على أربعة قبور ومدافن أبرزها القبر الرئيسي، والذي يشكل معلما أساسيا في الموقع، والسبب في ذلك وجود التمايز الطبقي، حيث كانت للملوك قبور أكثر تميزا واتساعا. وفيه أو على جوانبه تقع "التقربة"، وهي المكان الذي كان الناس يتقربون فيه إلى الملك من خلال الأكل والشرب، وتميز قبره المرفقات الجنائزية، من أدوات الزينة والإضاءة والحلي وأدوات الطعام.
ويتابع موسى: هناك دفن أولي ودفن ثانوي، في الأولي يوضع الميت في الغرف الصغيرة بداخل القبر في توابيت حجرية صغيرة حتى تتحلل الجثة، ويتم وضعها في توابيت حجرية صغيرة أو في ساحة مساحتها 170 سنتمترا، ويوضع فوقها التراب، ومن ثم توضع جثة ثانية في نفس موقع الجثة الأولى التي تنقل إلى مدفن جواني.
ويقول: أما القسم العلوي فيحتوي على ثلاث برك كبيرة وبركة صغيرة، وتكونت جميعا بفعل اقتلاع الحجر واستخدامه في بناء غرف المعيشة، وفيما بعد أصبحت تستخدم المياه المتجمعة فيها في الزراعة وادارة شؤون الخربة.
ممرات منحوتة في الصخر توصل إلى حفر لا يعرف أحد إلى أين وإلى ماذا تؤدي، طمرت بالحجارة والتراب مع مرور الزمن، بدل أن توصل إلى التاريخ وما تحت الأرض، تساوت مع الأرض وكأن شيئا لم يكن. حتى الآن لم ينجح أحد في تحويل الخربة وغيرها من المواقع الأثرية إلى مزارات سياحية، نتيجة وقوعها، كما يقول المعنيون، ضمن مناطق (ج) الخاضعة للسيطرة الإدارية الإسرائيلية.
ولم تسلم قرقش من أيدي الناهبين، الذين لا يدركون أو يدركون جيدا عمر وتاريخ وثمن تلك الحجارة. آثار حفر بدت واضحة في بعض المواقع والمدافن، ما يعزز تعرضها لعمليات نهب، غالبا ما تتم في ساعات الليل المتأخرة وبصمت.
وعن دور وزارة السياحة في الحفاظ على الموروث الثقافي والأثري، قال موسى: الخربة لها ارتباطات في مواقع قريبة كخربة جلال الدين وخربة حمد، وكذلك ارتباط في سبسطية التي كانت المملكة الرئيسية في الشمال، وظلت قرقش مأهولة بالسكان لأكثر من ألفي عام. وزارة السياحة تعمل على حماية تلك المواقع من خلال وحدة الحماية ووضع الإرشادات والاستعلامات حول المواقع الأثرية، وتسيير مسارات سياحية وبيئية لتشجيع الناس على ارتياد تلك المواقع والحفاظ على تواجد فلسطيني يصد الاستيطان عنها.
وأضاف موسى أن قرقش وباقي المواقع الأثرية في سلفيت، على أولويات أجندة وزارة السياحة، والتي تقضي خطتها بترميم الموقع خلال 5-10 سنوات، وربط الخربة كموقع رئيسي في المواقع الأثرية والتاريخية الأخرى كمسار سياحي في محافظة سلفيت، يمتد من تل أبو الزرد وخربة قرقش، الى دير سمعان، الى البلدة القديمة في دير استيا، الى دار الدرب في قراوة بني حسان، وينتهي المسار في جنائن ياسوف، مبينا أن مساحة سلفيت تبلغ 204 كيلومترات، وتحتوي على 140 موقعا أثريا.
بدورها، رئيسة سلطة جودة البيئة عدالة الأتيرة قالت لـ"وفا": فلسطين غنية بالتنوع الحيوي والمناطق التاريخية والأثرية، والمحميات الطبيعية، وبدأنا العمل لتكون لدينا سياحة داخلية، فالمسارات البيئية عدا عن أنها تعليم وغنى للنفس للتمتع بالمشاهد الطبيعية، هي أيضا رسالة للاستيطان بأن الأرض فلسطينية. وأضافت: في كل منطقة سرى نبي، لذا في كل موقع هناك أثر، ولدينا أكثر من 7 آلاف موقع أثري، والسياحة البيئية تنمية للمجتمعات المحلية، وسنطلق قريبا أول مؤتمر سياحة بيئية في فلسطين، بالتشارك مع وزارة السياحة، للتأكيد على هوية أرضنا وتراثنا التاريخي.