المؤتمر السابع.. سيسود الالتزام إن طغى الانتماء - عبد المجيد أبو غوش
لم تكن فتح يوما حبرا على ورق وممحاة سرية تصبغ في غياهب الزمان، إنما فتح وجدت لتبقى على طول الزمان، فهي نبض الشارع الفلسطيني بمجموعه وليست نبضاً لفئة معينة، وما كانت ستبقى لولا أنها خطت طريقها بهذا الأسلوب الجامع لقوى شعبنا الفلسطيني بأكمله، ولا شك أنها كغيرها من حركات التحرر الوطني مرت وتمر في أزمات متلاحقة داخلية وخارجية ولكنها تخرج منها معافاة سليمة فهي مضادة للضربات وعلى صخرها تتحطم المؤامرات.
ولا شك أيضاً أنها ظهرت في وقت سادت فيه روح التعصب الفئوي والحزبي العربي والفلسطيني، وتصارعت فيها المصالح، وضاعت أو أنها كادت أن تضيع قضية العرب المركزية القضية الفلسطينية في أدراج النسيان، وكل حركة أو انقلاب أو ثورة كانت تنادي تحرير فلسطين إلا أنها نسيت أو تناست ذلك في ظل الصراعات على المركز أو حب الظهور الفئوي والشخصي وحتى القطري، وخوفاً وخلافاً على المركز كان الصراع وفي حلكة الظلام والتناقض القائم على الأرض العربية كان ميلاد الثورة الفلسطينية، ولهذا اختارت أسلوب الصدام مع المحتل لا الركون إلى الوعود البراقة والاتكاء على الموقف الدولي أو العربي، اختارت فتح أن تكون رأس الحربة، ومن خلال تمحصها لأحداث العالم في يوم انطلاقتها وجدت أنه لا بد من اختيار الأسلوب الذي يزعج المحتل وهو الكفاح المسلح.
تراخت بعض الأحزاب العربية والإسلامية الدولية على الخوض في هذا الأسلوب وآثرت الانتظار متأثرة بمواقف خارجية تملى عليها دوليا أو إقليمياً أو عربياً، ولا ندري إن كان ذلك حسابات مترددة أو خوفاً من الولوج في أتون المعارك.
فتح وبقيادتها التاريخية وكوادرها السرية على الأرض العربية والفلسطينية وحتى العالمية ملّت الانتظار وبنت علاقات مع حركات التحرر العالمية آنذاك كالجزائر وفيتنام وكوبا وحتى الاتحاد السوفياتي آنذاك. وتجمعت حولها الجماهير وأحاطتها بسور واقٍ لا عنصري وكانت فلسطينية بعمق عربي وإسلامي أممي تحرري، وساندتها جموع الأنصار من كافة الدوائر.
حاول البعض الزج ببعض الانتهازيين داخلها، ونسجت حولها خيوط التآمر ولكنها في كل مرة كانت تخرج معافية الجسد والباطن النفسي. سادتها الديمقراطية الحقة، ديمقراطية التعاون مع الفئات الأخرى، وديمقراطية الرأي بين كوادرها، وكان الاختلاف ولكن لم يسدها الخلاف، وتعمقت جذورها الجماهيرية الشعبية حين لم تسلك أيدلوجية معينة سوى الصدام مع العدو، وتركت الخلافات الجانبية مع الأنظمة القائمة مهمشة، ولهذا لم تتدخل في الشؤون العربية ولم تقبل المس بقرارها الفلسطيني.
وكانت بلا شك مسيرة الحركة شاقة وصعبة وزادها صعوبة تدفق الجماهير للانتماء تحت إطارها خاصة بعد معركة الكرامة، وبحنكة الانتماء لفلسطين استطاعت أن تواجه المؤامرات وكما قلت معافية سليمة، وأصابها الإعياء ولم يصبها الداء المزمن ولم تهن وتضعف.
في مؤتمراتها الحركية التي كانت تعقب بعض اختلاط الأوراق أحياناً وإنحناءات عن الطريق من بعض الأخوة الرفاق مرات تخرج معافية سليمة راسمة لنفسها خطة جديدة تواكب ما يطرأ على الأرض، وتجري تغييراً مجاراة لقانون تدافع الأجيال أحياناً أخرى.
وكوادر الحركة وعناصرها في الظرف الحالي يتطلعون إلى المؤتمر السابع بعين الترقب والحرص على تجدد الإطار، ولا شك أن الشوائب التي تصيب جدار الإطار في كل زمن تمسحها برفق وعناية أيادي المشتركين في المؤتمر، وترجو جماهير الإطار من المشتركين أن تشدّهم بصيرة الحفاظ على الإطار والمسيرة النضالية لا أن تسحبهم إلى وراء التمحورات والمصالح الشخصية، وعلى كل عضو أن يعلم أن الصالح العام الفلسطيني والإطاري فوق كل اعتبار. والانتماء لفتح انتماء تسوده قدسية الانتماء للدين والوطن.
كثيرون هم الذين لم يلحقوا بأي مؤتمر وهم قد كانوا من البنائين لا من المتسلقين ولكن ظروفهم الزمانية والمكانية وقفت حائلاً أمام حضورهم المؤتمرات، وناهيك عن أنهم لا يخافون في الحق لومة لائم، ولا يقبلون على أنفسهم أن يتسابقوا جرياً وتسلقاً إن لم يذكرهم البحارة فوق البحر الهائج المتلاطم الأمواج، وآثروا أن يعملوا من أجل الإطار الحركي وأن يقبلوا بالقرارات ما دامت تسودهم روح الانتماء.
ولهذا فالمسؤولية على الأعضاء في المؤتمر السابع مسؤولية ثقيلة إن سادتها روح الانتماء وعلى الجميع أن يعلم أن هذا المؤتمر مفصلي لا شك في ذلك، وأن يتذكر أن الجماهير الفتحاوية لن ترحم من يعمل لا سمح الله على شطر الإطار والتلاعب بالقرارات من أجل مصلحة شخصية أو محورية، دعونا من التسلق والانتهازية وأن يكون الاختيار سليما والرجل المناسب في المكان المناسب، فالعلاقات الشخصية الغائبة عن الصالح العام لا تبني بنياناً قوياً شديد الأركان.
ملّ عنصر الحركة من القول بلا عمل، وكره التلازم بالصور التلفازية والتحريف في الحديث واختيار الألفاظ البراقة دون الخوض في العمق ومواجهة السلبيات بشدة وعنف.
المؤتمر ليس اجتماعاً من أجل انتخاب أشخاص بقدر ما هو تكاتفاً وترابطاً، وبناء قواعد سليمة لا تشوبها شائبة، وخط طريق سياسي يواجه التحديات الصعبة التي تواجه الإطار. فلسطينياً علينا أن نضع نصب أعيننا أننا وكما كنا منذ التأسيس الحركة الحاضنة والراعية لكل فئات مجتمعنا الفلسطيني، وفي نفس الوقت هي المسؤولة عن الحد من التجاوزات الفردية والفئوية، ولا نقول بالصدام يكون ذلك إنما بالمقاربة بين وجهات النظر على ألا يكون ذلك بالتنازل عن الثوابت الفلسطينية.
أمامنا أيها المؤتمرون مواجهات صعبة، فأنتم لم تجتمعوا لتتعانقوا وتعيشوا أياماً جماعية اجتماعية فقط، والكل يشتاق للكل ولكن تجتمعون لوضع خطوط عريضة، وترسمون طرقاً سليمة لمواجهة مواقف عديدة فالتشدد العنصري يجتاح العالم بأسره. ولهذا نرى أن غول الاستيطان يتسارع ليقضم أرضنا لأنه يرى أن الفرصة سانحة ما دام العالم العربي مشغولا كما أراد له الأعداء وتفتت دوله وتنهار واحدة بعد أخرى، وما زلنا في بداية الخريف لا الربيع كما قلنا، وقد نبهنا وقلنا أن ما يسمونه ربيعاً هو خريف وانهيار مرعب على الأرض العربية منذ البداية، وها هو توقعّنا يظهر على الأرض، فالبناء الذاتي الفلسطيني همّنا الوحيد يجب أن يكون، ولهذا يجب أن يكون الإطار قوياً لأنه العمود الفقري ولا يختلف في ذلك اثنان وإن توهّم البعض أنه البديل، وقوتنا في وحدتنا وما زلنا لا نساوم على القرار الفلسطيني المستقل.
القلوب تنبض والعيون ترقب، والأمل في عيون الأشبال فلا تخيبوا أمله.
مرة أخرى وإن كان الاختيار للعضوية بعيداً عن العلاقات الشخصية والمحورية سيكون المؤتمر ناضجاً بإذن الله وسيغلق الأبواب أمام كل مشكك.
نرجو ذلك وسيسود الالتزام إن طغى على النفس الانتماءّ
والكوفية ستبقى الرمز دوما!!