بعد المؤتمر.. كلام أقل وفعل أكثر- باسم برهوم
انتهى المؤتمر السابع لفتح بنجاح، وبالتالي فإن المخاوف التي سبقت انعقاده لم تعد قائمة بالحدة ذاتها. كما أن حالة اليأس والإحباط التي كانت تسود بخصوص وإمكانية أن تنهض فتح، ومن خلالها تنهض الحالة الوطنية، انحسرت وحلت محلها أجواء إيجابية من الثقة والتفاؤل. هذا المتغير الإيجابي، حان الوقت كي يترجم إلى أفعال.
اتفق مع الرئيس محمود عباس أن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لا يحسم بالضربة القاضية، وإنما بتراكم النقاط والصبر، والحكمة والذكاء، والقدرة على المحافظة على المكتسبات والمراكمة عليها. من هنا فإن أهمية المؤتمر ونجاحه يكمن في نقلنا إلى دائرة الفعل، والتقليص بقدر ما نستطيع مساحة الكلام لمصلحة العمل.
والسؤال: ماهو الفعل أو العمل الذي يجب الانتقال إليه؟
بما أننا نتفق بأن صراعنا مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الصهيوني طويل، فإن الفعل بالضرورة يجب أن ينصب على الإنسان وتعزيز صموده على الأرض، صمودا فيه صفة الرسوخ والوعي. من هنا فإن أولويات الفعل يجب أن تركز على العناوين التالية: الاقتصاد- التعليم- الصحة- المرأة والشباب، وذلك بالتزامن والتوازي مع وجود مقاومة شعبية سلمية للاحتلال الاسرائيلي، مقاومة يومية ذكية مكلفة للاحتلال وغير مكلفة لنا.
في هذا المقال سأركز على عنوانين، التعليم والمرأة، وهما عنوانان كانا سببا لتقهقرنا وتخلفنا، وكانا سببا لما نشهده اليوم من تطرف وحقد وحروب طائفية ومذهبية تمزق الأمة العربية. وبهدف التوضيح فإنه قبل عقود عندما كانت الحرب الباردة على أشدها بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، وعندما كانت الإمبريالية الأميركية في حينه منشغلة في مواجهة ما أسمته بالخطر الشيوعي، وخطر حركات التحرر الوطني التي كانت تناضل من أجل الحرية والاستقلال، في تلك المرحلة، وبهدف إحكام سيطرتها على عقول الشعوب، رأت هذه الإمبريالية أن المدخل لذلك هو السيطرة على التعليم والمرأة، خصوصا في الدول العربية والإسلامية. هذه المهمة أسندت وبتواطؤ من الأنظمة، إلى جماعة الإخوان المسلمين والقوى الأصولية والمحافظة، وكانت النتيجة مدرسة وجامعة ومنزلا لا ينتج إلا الحقد والإرهاب والتخلف.
لذلك فان التعليم والمرأة هما العنوانان اللذان يجب أن يحتلا الأولوية في فعلنا القادم.. لكن كيف؟
بشأن التعليم، بالضرورة ونحن نضع فلسفة التعليم الجديدة علينا أن ننطلق من سؤال أساسي هو: أي إنسان فلسطيني نريد؟ وبالتالي أي مجتمع نريد؟
أعتقد أن الرئيس محمود عباس في مؤتمر فتح السابع تناول هذا الموضوع في رؤيته التي تحولت بعد أن تبناها المؤتمر إلى برنامج عمل وطني. ما نريده هو إنسان فلسطيني، رجل كان أم امرأة أن يكون عصريا وواعيا وطنياً، إنسان معرفي يؤمن بعقله، وبالعلم كوسيلة للوصول إلى الحقيقة، إنسان يثق بنفسه وقدراته، يؤمن بالديمقراطية وبالرأي والرأي الآخر، وبالحوار كوسيلة لحل الاختلاف في وجهات النظر.
هكذا إنسان هو وحده القادر على الصمود وخوض مواجهة ذكية مع الاحتلال تقوده إلى حريته، وهو وحده القادر على بناء دولة فلسطينية حديثة لكل مواطنيها، دولة ديمقراطية عصرية تحترم سيادة القانون.
وبهدف الوصول إلى هذا المواطن، بالضرورة إعادة صياغة مدارسنا وجامعاتنا، مناهجاً وهيئات تدريسية وأساليب عمل، صياغة مناهج تنطلق من التركيز على العقل وتنميته بحثا ومنهج تفكير، مناهج تقود إلى إنسان يشك ويتساءل، كي يفكر بطريقة علمية، ويصر على اكتشاف الحقيقة والوصول إليها عبر عقله وقدرته الذاتية.
وبما يتعلق بالمرأة وبشكل مواز، لا بد من تعزيز دورها ومكانتها عبر التشريعات والقوانين انسجاما مع القوانين الدولية، وتحرير عقلها من السطوة التي فرضت عليه من الأصوليين لأكثر من أربعة عقود.
تحقيق هذه الأهداف ليس أمرا مستحيلا، لقد حققتها من قبلنا أمم وشعوب كانت أكثر تخلفا.. نحن بحاجة إلى قرار وإرادة، خصوصا أن الرئيس قد أعطى الضوء الأخضر لمثل هذه الورشة.. فهل نبدأ؟