شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات    مجزرة جديدة: عشرات الشهداء والجرحى في قصف للاحتلال على مشروع بيت لاهيا    3 شهداء بينهم لاعب رياضي في قصف الاحتلال حي الشجاعية وشمال القطاع    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على حي الصبرة جنوب مدينة غزة    لازريني: مجاعة محتملة شمال غزة وإسرائيل تستخدم الجوع كسلاح    شهيدان جراء قصف الاحتلال موقعا في قرية الشهداء جنوب جنين    الاحتلال يواصل عدوانه على بلدة قباطية جنوب جنين    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف منازل ومرافق في النصيرات وخان يونس    إسرائيل تبلغ الأمم المتحدة رسميا بقطع العلاقات مع الأونروا  

إسرائيل تبلغ الأمم المتحدة رسميا بقطع العلاقات مع الأونروا

الآن

تمرد الروح في رواية "حرام نسبي" - فتحي البس


ما إن تفرغ من قراءة رواية"حرام نسبي" لعارف الحسيني حتى تندفع لمراجعة ما ورد فيها من رؤى وأفكار حول الحب والعشق والموت والكفاح والاستكانة والخيبة والامل والتمرد ورفض الموروث ووجع الروح المتمردة ومصيرها وأسئلة الفلسفة حول الماضي والحاضر والمستقبل..إنها رواية مشبعة بقلق الانسان تطرح رؤى فلسفية عبر سرد عميق سهل خال من الحشو تتعلق بفهم المجتمع وتحولاته والانسان وتقلباته، دون إجابات شافية، بل بتأكيد ألم التحولات غير المفهومة في مشاعر الانسان المتقلبة بين السعادة ونقيضها ،الفهم أو محاولته، الادعاء من خلال سلوك اجتماعي مضطرب، لا يعكس سوى اضطراب الروح المتأرجحة، القلقة، لأن الانسان لم يحدد هويته الفكرية، فيسكن عقله هلامية الموقف، فينعكس ذلك على حياته الواقعية، فتبدو مهشمة، تماما كما هي روحه، ومشوّهة، كما هي أفكاره.

ينعكس ذلك كله في الرواية من خلال تتبع شخصياتها وسيرورتها، وخاصة حورية، ابنة القدس، حفيدة جورية الكبيرة التي ارسلت ابنتها الطفلة لعريسها الشيوعي، ابن القدس، من ريفها، مغمضة العينين كما أراد لها أهلها القريون أن تصل إلى بيت زوجها، دون وعي أو فهم كي لا تتهمها عائلة  زوجها المقدسية، بأنها من بنات اليوم صاحبات التجارب.

تكبر حورية الصغيرة، تعشق مناضلا، يسجن، يخرج بعد معاناة الاضطهاد من قبل الاحتلال، يعلن لحورية استمرار حبه رغم سنوات العتمة، تقبله وتتزوجه وتبدأ معاناة مستمرة معه، نتيجة ضعفه وتردده وعدم قدرته على العمل وتشوّش أفكاره، فيطلقها، بحجة أنه لا يستطيع العيش مع امرأة لم تنجب له طفلا، حجة واهية، استخدمها، للخروج مما يعانيه من اضطراب، لكنه بعد زواج تقليدي وإنجاب، يحاول العودة لحورية، التي دخل حياتها بالصدفة، شخص اخر، تتمرد على تلك العودة المفاجئة، لكنها في نفس الوقت، لا تنجح في قبول المحب الجديد، تعود إلى حبها الأول لتشييع جنازته، متحدية كل الاشاعات التي تسبب هو فيها.

لكن الرواية ليست بهذه البساطة، ما ورد أعلاه تبسيط مقصود.الرواية غنية في عرض حياة شخوصها: جدة حورية الكبيرة، ابنتها والدة حورية، الوالد الشيوعي الحائر ما بين الالحاد والايمان، الاخ الذي يترك القدس الى المنفى هربا من حياتها الصعبة، واضطراب أفكاره، الزوج المناضل المثقف الذي انهك حورية بسلبيته، رغم عشقه الجارف، اصدقاء الوالد المتشددين دينيا واجتماعيا يختلف عنهم واحد مؤمن معتدل ومتسامح، الجيران البسطاء الذين لا يفهمون ما يجري في حياة حورية الصغيرة، فيستسهلون رميها بالفجور، العائلة الاسرائيلية التي تقتلع جارة حورية من بيتها وتستوطنه، الحبيب الجديد الذي يدخل حياة حورية بلقاء مصادفة حصل في اجدى مطارات الولايات المتحدة.

في عرض حياة هؤلاء، تكون القدس، بطلة الرواية الحقيقية، بأحيائها وعائلاتها وشوارعها وأماكنها المختلفة، وصراع الأفكار فيها، وأساليب الاحتلال في قهر أهلها، ومصادرة البيوت وتوسيع الاستيطان، وكره المستوطنين لسكانها العرب، واستكانة بعض أهلها، وتمرد آخرين ومقاومتهم للاحتلال، يعيش القارئ حياة القدس وصعوبتها، دون أن يلجأ عارف الحسيني إلى خطاب سياسيّ مباشر، بل من خلال الدخول إلى أعماق سكانها وأبطال الرواية، ومجريات حياتهم وردود أفعالهم بجمل عميقة تصدر عنهم، وبسخرية عذبة بسيطة من الاحتلال، أبلغ من أي بيان سياسي.

"حرام نسبي" رواية تكمل ما بدأه عارف الحسيني في روايته الأولى "كافر سبت"، فالروايتان تفضحان الصورة النمطية عن القدس، من خلال دخول عميق إلى الحياة الواقعية للناس وما يجري حقيقة في المكان، والصراع المستمر فيها، بين محاولة التهويد، وتمسك الناس بالحياة فيها رغم قسوتها التي يصنعها الاحتلال.

إنها رواية كاشفة وشيّقة، تغوص في أعماق الحياة الروحية للانسان، تنصف المرأة وما تتعرض له، وتبشر بالأمل بحرية الانسان وقدرته على مجابهة التقلبات، وفي الفقرة الاخيرة من الرواية، يكتمل الحبيب الأول بالموت كم تخيلته يخاطبها وهو مسجى، لكنه يؤكد استمرارية الحياة: إنها رواية تمرد الروح.

"هأنذا حبيبك الأول وليس الأخير؛ لأنّ العشق يغزونا دوماً، حتّى لو لم نفتح له الأبواب الموصدة من خيبات الأمل، ها أنا بين يديّ ربّي أسعى إلى النفاذ، أسكن بين خافقيك، رغماً عنك، وسوف أرقد ساكناً بعد اليوم في لحدي، ويسكن غيري في قلبك، رغماً عنك وعنّي، فيا حبيبتي الأبديّة حوريّة، إنّي اكتملت".

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024