نهاية إسرائيل الحتمية- محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ
عوامل فناء الفكرة الأيديولوجية متعددة، ولها أكثر من سبب.
وقد عرف العالم أفكاراً أيديولوجية ظهرت لفترة من الزمن ثم انتهت وتلاشت إما بسبب هزيمتها وهي في مهدها أو في طور تصاعدها؛ أو أن فلسفتها لم تتواءم مع تطور القيم والمبادئ الإنسانية؛ فكان فناؤها بسبب عدم قدرتها على التأقلم مع المستجدات الإنسانية.
الفكرة النازية كادت أن تكتسح العالم، غير أن هزيمتها العسكرية أدت بها إلى الانزواء والهامشية ومن ثم الاضمحلال؛ حتى أصبح الاتهام بالنازية كفيلاً بالقضاء على أي حزب سياسي في أوربا.
الفكرة الصهيونية فكرة عنصرية بامتياز؛ ولا أعتقد أن هذه الفكرة يمكن أن تعمر طويلاً إطلاقاً، فهي فكرة تقوم على أسطورة، تؤمن بالحق المقدس لليهود (حصراً) في فلسطين، واسترجاع الثقافة اليهودية، وإحيائها، من خلال دولة إسرائيل التي يجب أن تكون حسب أدبيات الصهاينة محض يهودية.
ورغم أن مجريات بدايات القرن الماضي، ومجريات الحربين العظميين، وثقافة الاستعمار، إضافة إلى نفوذ وتغلغل رأس المال اليهودي في البنى الاجتماعية الغربية، مَكَّن لإسرائيل أن تقوم، ثم أن تقوى، وتفرض نفسها في منطقة تبادلها العداء طوال العقد الماضي.
غير أن الفكرة العنصرية اليوم لا يمكن أن تستمر مهما كانت القوى التي تساندها؛ نعم قد تصلح لأن تُنشأ دولة، لكنها لا يمكن أن توفر لها أسباب البقاء والاستمرار الدائم؛ خاصة في ظل ثقافة حقوق الإنسان، والعداء الإنساني للعنصرية بشتى أنواعها، ناهيك عن تقارب ثقافات الأمم التي وفرتها بشكل سريع وسائل الاتصالات الحديثة، وتحديداً الإنترنت والبث الفضائي التلفزيوني.
هذا يعني أن الدول من الآن فصاعداً ستكون لكل مواطنيها؛ وأية تفرقة بين الشعوب أياً كان مصدرها، ستواجه رفضاً من كل دول العالم، وبالتالي فإن الدولة التي تقوم على منطلقات عنصرية ليس أمامها إلا أن تتواءم رغماً عنها مع مبادئ حقوق الإنسان، مهما كانت قوتها ونفوذها. وعنصرية إسرائيل، والصهيونية كفكرة وكممارسة، لم يعد بالإمكان إخفاؤها، أو تجاوزها، فقد التصقت بإسرائيل، وأصبحت بمثابة الحقيقة التي لا يمكن المكابرة بشأنها؛ يقول داني روبتسن وهو كاتب عمود في صحيفة هآرتس الإسرائيلية: (إسرائيل اليوم دولة عنصرية تتضمن أربع مجموعات فلسطينية: الفلسطينيون المتواجدون في غــزة، وأولئك في القــــدس الشرقيـــة، وفي الضفـة الغربية، والفلسطينيون الإسرائيليـون، حيث إنه لكل منهم حالة خاصة).
النقطة الثانية التي ستواجه إسرائيل، وتكرس نهايتها كدولة تقوم على أساس عنصري، هي القنبلة الديموغرافية، وتزايد أعداد الفلسطينيين العرب ممن يعيشون داخل إسرائيل. هذه النقطة أشار إليها الدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة يقول: (إن إسرائيل التي نعرفها لن يكون لها وجود خلال العشرين عاما المقبلة).
وأضاف: (أن 23 % من حاملي الهوية الإسرائيلية حالياً من «عرب 48» وبعد 20 عاما سترتفع نسبتهم لـ40% أو أكثر، وهو ما يعني أنه لن يكون هناك وجود عملي لدولة إسرائيل اليهودية).
أي أن ما انتهت إليه العنصرية في جنوب إفريقيا ستنتهي إليه أيضاً العنصرية في إسرائيل مهما حاول الإسرائيليون تأجيل هذه النهاية والحفاظ على الهوية اليهودية للدولة التي قامت عليها إسرائيل عند التأسيس؛ وعندما تتخلى إسرائيل عن عنصريتها، وبقيت كما هي عليه الآن تحكمها صناديق الانتخاب، فإن الحكم سيؤول حتماً للأكثرية العرب؛ وهذا يعني أن من سيحرر فلسطين، أو بلغة أخرى يقضي عملياً على إسرائيل، ليس السلاح والقوة وإنما عامل الديموغرافيا، أو التركيبة السكانية؛ خاصة في ظل الهجرة المعاكسة لليهود من إسرائيل إلى الخارج، وانخفاض أعداد المهاجرين الجدد من اليهود إلى إسرائيل؛ هذا طبعاً حسب الحقوق القانونية التي نص عليها الدستور لكافة المواطنين الإسرائيليين بما فيهم العرب.
إن كل المؤشرات، وما يشهده الواقع، يؤكد أن الدولة العبرية ستكون دولة متعددة الإثنيات في المستقبل، وهذا المصير هو في تقديري مصير حتمي لا مفر لإسرائيل من مواجهته.