بيان الخيبة ... خيبة البيان - محمود ابو الهيجاء
على ضفاف نهر السين، تجمع نفر من اصحاب الرغبات المريضة، وقالوا إنهم في مؤتمر "ثوري" لقيامة جديدة لمسيرة التحرر الوطني الفلسطينية (...!!) وبعد ان شربوا الكثير من القهوة السوداء، وأكلوا معجنات الكرواسون الباريسية صباحا، وساحوا في "الشانزليزيه" ليلا بمخيلات الحس الرخيصة، التي لا يصحو اصحابها عادة إلا على واقع الخيبة، وبعد ان استمعوا لثرثرة الممول (الزعيم) ذاتها، بضغائنها المفضوحة، واكاذيبها التي لم تعد تنطلي على احد، جاءوا الى لغة البيانات المتحاملة التي غرب عصرها تماما، ليعلنوا حضورا لهم لا واقع له ولا مستقبل، ولعلهم كانوا قرب "سراديب الموتى" في العاصمة الفرنسية، لأن لغة بيانهم لم تكن اكثر من "نوستالجيا" كسيرة لأيام غابرة، حتى لتبدو كأنها من المراثي التي لا تستحق غير الشفقة.
والواقع ان بيان "المتفرنسين" لم يكن اكثر من صيغة اخرى للخيبة، وهو يعيد ويكرر مواقف التحامل والضغينة والافتراءات ذاتها، التي طالما اثبتت الوقائع انها كذلك، وانها لا تقرب الحقيقة ولا النزاهة ولا بأي شكل من الاشكال.
اكثر من ذلك، سيظل دائما ان الدنس لا يمكن له ان يحاضر في العفة، والخيانة لا يمكن لها ان تحاضر بالأمانة والوفاء، واللصوصية بالنزاهة وطهر اليد، والجبن بالشجاعة والفروسية، هذه مستحيلات يعرفها الناس في كل مكان، ويعرفون من يحاول ان يجعلها ممكنة، لن يجد غير الخيبة في بيان الخيبة والثرثرة، حتى يوم الحساب الوطني والذي لن يكون بعيدا، لأن فلسطين لا ترضى بصناع الخيبات.