الجاليات الفلسطينية في الغرب.. بين الواجب الوطني والمصلحة الخاصة
المحامي د. إيهاب عمرو
يفترض أن تكون الجاليات الفلسطينية في الغرب وطنا صغيرا يضم بين جناحيه الفلسطينيين كافة سواء ممن يقيمون داخل الوطن أو في الشتات. وكوني ممن أقاموا داخل الوطن وفي شتاته تسنى لي الإطلاع عن كثب على الظروف التي يمر بها شعبنا الفلسطيني أينما حل وارتحل، بحيث أضحى حفاظه على كيانه وكينونته أشبه بمعجزة تستحق أن تدرس، خصوصا في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي واجهها ولا يزال، وذلك يعود بشكل أساسي إلى إيمانه بعدالة قضيته ببعدها الإنساني والحضاري، دون إغفال سياقها السياسي والتاريخي.
لذلك، يتعين على الجاليات الفلسطينية في مختلف الدول الغربية أن تقوم بالحفاظ على الهوية الوطنية والتعريف بها لمن لا يعرفها، خصوصا من أبناء الفلسطينيين ممن ولد وترعرع في الغرب، ما يلقي على كاهلها مسؤولية وطنية كبيرة وأمانة عجزت الجبال عن حملها.
وأذكر أثناء إقامتي في اليونان ذلك اللقاء العاصف في مقر الجالية الفلسطينية في العاصمة اليونانية "أثينا" في العام 2006، الذي كان الأول والأخير الذي حضرته، والذي دعينا له عشية انتخابات الهيئة الإدارية للجالية وضم فلسطينيين من داخل الوطن وخارجه. ولاحظت أثناء المداخلات حجم الغضب الذي تملك معظم الحاضرين نتيجة عدم دعوتهم لحضور بعض الفعاليات الثقافية والفنية التي قامت الجالية بتنظيمها وقصر تلك الدعوات على أشخاص محددين. وأكثر ما أثار عاطفتي وحفز تفكيري تلك المداخلة التي قام بها شاب فلسطيني أقام في دولة عربية مع عائلته قبل مجيئه إلى اليونان للعمل وخاطب من خلالها الحضور بشكل عام والقيمين على الجالية بشكل خاص قائلا إنه يتم دعوته فقط للمشاركة في فعاليات تضامنية، في حين لا يتم دعوته للمشاركة في فعاليات ثقافية وفنية والتي يتم قصر الدعوات فيها على أشخاص محددين، كما ذكرنا آنفا.
وأردف ذلك الشاب الجريء والبسيط والمفعم بالحيوية قائلا إنه إذا كان المانع من دعوته لحضور تلك الفعاليات الفنية مظهره ولباسه البسيط لقام بشراء "بدلة من نوع فاخر" حتى يكون بمستوى يمكنه من حضور تلك الحفلات والمناسبات التي كانت تنظمها الجالية بين الفينة والأخرى. وعكس ذلك الحديث العاطفي والواقعي في آن حجم الهوة التي تفصل بين الفلسطينيين وبين بعض جالياتهم في الغرب التي يفترض أن تكون الوعاء الجامع لهم، ما يمكنهم من التعارف والتواصل والتعاضد.
وأثناء إقامتي في أوروبا سابقا سمعت عن مشاريع ومبادرات قامت بها بعض الجاليات الفلسطينية في الغرب، خصوصا في أوقات الأزمات، مثل مشروع أطلق عليه "مشروع تبني طفل رضيع في فلسطين"، ومشروع "تزويد الشعب الفلسطيني داخل الوطن بأغطية للشتاء"، ومشاريع أخرى لا حصر لها كانت تهدف في ظاهرها إلى جمع المال سواء من الفلسطينيين أو من غيرهم من مواطني تلك الدول وإرسالها إلى فلسطين. وحقيقة الأمر وكوني أقمت داخل الوطن قبل مغادرتي إلى اليونان للدراسة فلم أسمع يوما عن هكذا مشروع لتبني أطفال رضع في فلسطين، أو تزويدهم بأغطية للشتاء، ما يضع علامات استفهام حول ماهية تلك المشاريع أو المبادرات ومراميها.
بناء على ما سبق، وفي ضوء ما سمعت وشاهدت وعشت وعايشت، أستطيع القول إنه لا بديل عن مراجعة آنية وحقيقية لدور الجاليات الفلسطينية في الغرب وسياساتها ومشاريعها، خصوصا ذات الأبعاد الربحية منها. وأستطيع القول كذلك إنه لا بد من تعزيز الرقابة على الهيئات الإدارية لتلك الجاليات سواء من خلال السفارات الفلسطينية أو من خلال مؤسسات منظمة التحرير ذات العلاقة كدائرة شؤون المغتربين، وذلك لضمان قيام تلك الجاليات بالدور الكبير المنوط بها في جمع شمل الفلسطينيين ورعاية أمورهم ومصالحهم كواجب وطني وإنساني بعيدا عن الانتقائية والمزاجية والفوقية، بحيث تشكل تلك الجاليات رديفا للسفارات الفلسطينية يلجأ إليها من يحتاج المساعدة من أبناء وبنات شعبنا المكلوم سواء من داخل الوطن أو من خارجه، مع ما يتطلبه ذلك من تغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة الضيقة.