الاغتراب وثقافة الاستهلاك
رهف البريمي
مما لا شك فيه أن لثقافة الاستهلاك تداعيات خطيرة جداً على حاضر ومستقبل الأجيال القادمة، اذ هي ثقافة تدعو إلى إيثار الرفاه والرخاء على الجد والهمة، وإيثار التلقين باستسلام، على البحث العلمي والمنطق والاكتشاف.
ولعلنا قد وصلنا مادياً أعلى قمة الهرم في استخدام التكنولوجيا والتقنية ولغتها ومظاهرها، ولكني اعتقد أننا مازلنا في أسفله من حيث انتاج الحضارة والتقنية والفكر والتقدم العلمي البحثي للانتاج، قبلنا ثقافة الاستهلاك ولم نتحد ثقافة الانتاج، هذه بالضبط هي الحداثة المشوهة.
فاليوم ترى العربي يلبس ال"جورجيو أرماني" الايطالي، ويركب سيارة الأودي الألمانية، ويهاتف والدته المسنة للاطمئنان عليها بالآيفون الأميركي، ويشاهد نشرة الأخبار على تلفاز "سامسونج" الكوري، وينظف ملابسه بغسالة "ال جي" الفرنسية، ويرتدي الساعات الفاخرة السويسرية، ويُوقع دفتر شيكاته بالقلم الصيني، إذن نحن أمة مستهلكة لا تصنع أداة لحياتها، بل تستهلك نمطاً وأداة تسيطر على عقولها الشابة وارادتها، بدلاً من أن نكون أمة تساهم في نصيب وافر من حضارة العصر.
المواطنون في العالم العربي، ينفقون غالبية دخلهم على السلع الاستهلاكية المصنوعة في النصف الأخر من الكرة الأرضية في حين أن إنفاق هذه الدول العربية مجتمعة على البحث العلمي يساوي ما تنفقه جامعة أميركية واحدة عليهم.
وتتحول الهوية إلى اغتراب عندما تنقسم الذات على نفسها، بين ما هو كائن، وما يجب أن يكون. وبسبب الاستبداد الواقع عليها، فالعربي يعيش في عالم لا يسيطر عليه، وبالتالي يشعر بفقدان هويته وهذا بالضبط ما نقصد من أن الاغتراب هو السبب والنتيجة للنزعة الاستهلاكية المستشرية التي نجحت في اغترابنا عن مجتمع لم نعد نألفه، وواقع لم نعد نسيطر عليه، ومتناقضات نجمعها لم تكن لتجتمع إلا بقدرة قادر.
وتلافيا للاغتراب وللمآزق والأزمات والمفارقات الثقافية والحضارية، فإن محاربة الاستهلاك المادي لن يكون فقط بسياسات اقتصادية تعمل على الحد من الاستيراد وبناء المصانع بديلاً عن المولات التي تضم الماركات العالمية، ولكن أيضا من خلال بناء جيل يؤمن بقيم إنسانية رفيعة وطنية، متمسكة بالموروث الثقافي والاجتماع والحضاري، لا جيل يشعر بالاغتراب السياسي والديني والمجتمعي، وهنا نستذكر ما قاله الشاعر مظفر النواب" إن الواحد منا يحمل في الداخل ضده".
ما أجمل أن نسمع العالم يتكلم العربية ويباهي بها، ولكن مادمنا مستهلكين غير منتجين للتكنولوجيا، وفقراء للبحث العلمي، فلن نستطع حتى الحفاظ على موروثنا وهويتنا كعرب، فمن يصنع التقنية يفرض ثقافته وهويته ولغته.