أحمد دحبور يمضي مكللا بالشعر و"العاشقين"
بلال غيث كسواني
عشرات الشعراء والأدباء والمفكرين والسياسيين اجتمعوا سويا في مقبرة البيرة الجديدة لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة والمشاركة في تشيع زميلهم وصديقهم الشاعر الراحل أحمد دحبور.
الشعراء والأدباء يجمعون أن دحبور لم يكن يكتب حبا للكتابة وإنما لإيمانه بأنها رسالة والتزام للدفاع والذود عن قضايا شعبه الوطنية والطبقية وهي سلاح ثقافي بتار في معارك التحرير والاستقلال، وهو كشاعر ثوري وتقدمي ملتزم يرى في القصيدة جسداً كاملاً ومزيجاً بين لغة الحلم ولغة الواقع.
ولعل أشهر قصائده هي “حكاية الولد الفلسطيني"، التي كتبها إبّان انطلاق الثورة الفلسطينية ويتساءل فيها عم سيخسره الفقراء، سوى جوعهم والقيد، حين يقاومون، وينهيها، وهو ممتلئ إصرارا على المقاومة، فهو جاء إلى الدنيا في حيفا ليغادر حيفا ولكن سرعان ما غادر مع اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا وشردوا من أرضهم ووطنهم، وشبّ وكبر في مخيم النيرب بحمص في سوريا، وعاش فيه إحدى وعشرين سنة، وكان لحياة المخيم بكل ما يمثله من فقر وحرمان وبؤس وضياع، تأثير في تكوينه النفسي والاجتماعي والسياسي والشعري.
زملاؤه يتذكرونه وهنا يقول الشاعر المتوكل طه في حديثه عن دحبور، إن فلسطين ودّعت شاعرها الكبير... شاهد بيروت... وعود اللوز الأخضر، فقد ترجل طائر الوحدات، واليوم تودع بلادنا واحدا من أهم القامات التي كانت من الكتيبة الأولى التي بشرت بالثورة وواكبتها وغنت لها، واليوم يدفن الولد الفلسطيني لكي تنبت على ثراه زيتونة تقاوم الاحتلال، وعزاؤنا أنه احتضن في تراب فلسطين وأن أرض فلسطين قد ضمته في جنباتها.
وأضاف "نتمنى أن تبقى ذكرى أحمد دحبور خالدة فهو الباقي بما تركه من نتاج أدبي يؤصل المبادئ تجاه الحق والعقل وتجاه العقول الثابتة الراسخة، وموت الشعراء هو موت مجازي يرحلون جسدا ويبقون روحا بكتبهم وإبداعاتهم، فنحن تربينا على أدب دحبور، وسنحمل رايته ونسير حتى تحتضن حيفا نداء أحمد دحبور التي حرمت من أن تضمه".
وأوضح طه أنه من الصعب سد الفراغ الذي سيتركه صاحب "حكاية الولد الفلسطيني"، وكاتب كلمات الأغنيات الخالدة، ومنها: "اشهد يا عالم"، و"عوفر والمسكوبية"، و"يا شعبي يا عود الند"، و"الله لأزرعك بالدار"، و"يا بنت قولي لامك"، و"غزة والضفة"، و"صبرا وشاتيلا"، وغيرها الكثير من الأغنيات التي كان الوطن جوهرها، وسكنها النضال من أجل الحرية مع كل حرف من كلماتها وعباراتها، ففلسطين في أغنيات دحبور أهم من الحزب والانتماءات الضيقة، وهي التي سكنها في سني عمره الأخيرة، فكان "العائد إلى حيفا" ولو لساعات بين فترة وأخرى.
من جانبه، قال الشاعر غسان زقطان، إن أحمد دحبور واحد من أهم مؤسسي المشهد الفلسطيني في مجال الشعر الحديث، وبدأ مبكرا بموهبة عظيمة وكبيرة وكتابه الأول صدر وهو فتى وكان عمره 16 عاما وهو "الضواري وعيون الأطفال" في الستينيات في دمشق، وهذا الكتاب قدم شاعرا كبيرا وموهبة كبيرة للعرب، فقد كان لدحبور تأثير واسع على أكثر من جيل وكان عابرا للأجيال وكانت ثقافته شاملة وكبيرة وعميقة، رغم انه لم يتلق التعليم الأكاديمي.
وأوضح أن دحبور امتلك ثقافة عالية وأبدعا لافتا، وقد ثقف نفسه بنفسه، فهو شاعر قبل كل شيء وقدم مجموعة الأغاني، وله جهد نقدي مهم قدم من خلاله شعراء شباب من أجيال متلاحقة بنبل المثقف الكبير وكرمه.
من جانبه، قال الشاعر منذر عامر صديق وزميل الراحل دحبور، إن دحبور كتب الشعر في سن مبكرة والتحق بالثورة مبكرا في الأغوار وعمل صحفيا مراسلا عسكريا في الثورة الفلسطينية، وحضر معركة الكرامة وكان أحد ثلاثة شعراء ظهروا في نفس الفترة وهم عز الدين مناصرة ومريد البرغوثي ومحمد القيسي.
وأضاف أن الشعراء الأربعة كانوا شعراء ومجاهدين وقد ظهروا في مشهد الثورة قبل خروج محمود درويش من الأرض المحتلة في بداية السبعينات.
وأوضح عامر أن دحبور كان شاعرا ذا بصمات نقدية أيضا إضافة إلى الجانب الشعري، فمنذ عودته إلى الوطن عاد إلى غزة وكان يكتب مقالة أدبية كل أربعاء اسمها "عيد الأربعاء" في صحيفة الحياة، إلى جانب شعره، فقد كان ملما بالنقد الأدبي وكان له معارك أدبية طويلة مثل معركته مع الأديب والناقد السوري صبحي الحديدي.
إلى ذلك، قال الشاعر وأستاذ الفلسفة سعيد زيداني، هو شاعر من الشعراء الوطنيين الملتزمين الذين ترددت قصائده دوما على لسان أبناء شعبه وهو من حيفا وقد أجري له تكريم في حيفا السنة الماضية، وهو يستحق ذلك، فقد كان متواضعا جدا ومحبوبا جدا.
وأضاف "سنفتقد أحمد دحبور لأن له مكانة كبيرة في قلوب وعقول أبناء شعبنا، خصوصا الجيل الثاني والثالث ما بعد النكبة لالتزامه ووطنيته الفلسطينية ليس بالمفهوم الخطابي بل بالمفهوم المشاعري العميق والتزم بقضايا شعبه وعرف كيف ينقلها للجماهير وللعالم.
وأوضح زيداني أن دحبور هو من ينابيع الشعر الفلسطيني المعاصر المقاوم وأحد أعمدة الحركة الثقافية الفلسطينية الراهنة، فهو شاعر وناقد وباحث وموسوعي وقارئ جاد وسياسي ومثقف واسع الاطلاع، وصاحب مواقف سياسية وفكرية تقدمية واضحة.
أحمد دحبور في سطور:
يعد الشاعر "دحبور"، أحد أعمدة الثقافة الفلسطينية، وشغل الراحل عددا من المواقع الصحفية والثقافية، وكرس حياته للتعبير عن التجربة الفلسطينية المريرة.
وحاز دحبور على جائزة توفيق زياد في الشعر العام 1998، وكتب العديد من أشعار فرقة الأغاني الشعبية الفلسطينية "العاشقين". ومن أبرز اعماله الشعرية "الضواري وعيون الأطفال" العام 1964، و"حكاية الولد الفلسطيني" العام 1971، و"بغير هذا جئت" 1977، و"واحد وعشرون بحرا"1981، و"ديوان أحمد دحبور" 1983، إضافة إلى عدد من الأعمال النثرية.
عمل أحمد دحبور كمحرر سياسي في "وكالة وفا" فرع سورية، وكمحرر أدبي، ومديراً لتحرير مجلة "لوتس" حتى العام 1988، كما عمل مديراً عاماً لدائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس تحرير مجلة "بيادر" التي كانت تصدرها الدائرة.
نظم أحمد دحبور الشعر مبكراً، ونشر بواكير قصائده في مجلة "الآداب" اللبنانية، وأصدر مجموعته الشعرية الأول ى"الضواري وعيون الأطفال" التي تنضح بالهموم الشعرية الإنسانية وتفوح منها رائحة خليل حاوي.
وفي العام 1971 أصدر مجموعته الثانية "حكاية الولد الفلسطيني" التي أكدت انحيازه السياسي للثورة؛ وطنياً وطبقياً، وجسدت الحالة الفلسطينية في مخيمات اللجوء والتشرد، والهموم والمواجع السياسية، وعبرّت عن موقف المجتمع من المرأة.
عاصر أحمد دحبور المأساة الفلسطينية وعاش رحلة العذاب والتشرد الفلسطيني بكل خلجة شعورية من خلجات قلبه، وتقطع ألماً ومرارة، ونما في داخله الشعور الوطني والروح القتالية، فأسهم بقلمه وفكره في النضال الوطني التحرري وفي الثورة الفلسطينية، وشكلت قصائده سلاحاً ثورياً وزاداً روحيا للمقاتلين والمدافعين عن أشرف وأقدس قضية.