قراءة بقانون التربية والتعليم العام.. بقلم: حازم أبو جزر
لأول مرة في فلسطين يصدر قرار بقانون للتربية والتعليم، هذا القطاع الضخم والهام جدًا، يتطلع له الشعب كله في خلق جيل يحمل الهم الوطني، ويؤسس لنهضة علمية وصناعية في دولة فلسطينية قوية توفر حياة كريمة للإنسان، تقوم على الحرية والديمقراطية، تحترم حقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحق في التعليم، وتمنع التمييز والتهميش مهما كان المبرر، وتحمي الإنسان، بخاصة الأطفال. أنجزت وزارة التربية والتعليم العالي هذا القانون بتضافر جهود المؤسسات المجتمعية، فقد شاركت فيه معظم المؤسسات المحلية والدولية العاملة في مجال التعليم العام، وتم التشاور بشأنه مع مؤسسات حقوق الإنسان، وخاصة الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، واستمعت الوزارة لجميع الملحوظات الواردة منها، وقدمت الوزارات جميعها الرأي في مواد القانون، وعُرض في مجلس الوزراء ست مرات. جاء القانون في ثمانٍ وخمسين مادة، تناولت جميع الجوانب التربوية، وحددت الأدوار، وعرفت المصطلحات، أعدت بعناية قانونية وتربوية؛ لأن هذا العمل يتطلب الجانبين، ويبقى السؤال: بماذا امتاز هذا القانون؟ وما الإضافة؟ وما الجديد الذي يحمله؟ وأسئلة كثيرة تدور في أذهان الكثيرين من المهتمين في الشأن التربوي، والباحثين، وللإجابة عن كل هذه التساؤلات أبين الأمور الآتية: أولا: جاء هذا القانون ليحل محل قوانين قديمة ورثت من فترة الحكم الأردني في المحافظات الشمالية (الضفة والقدس)، والحكم المصري في المحافظات الجنوبية (قطاع غزة)، فهذا القانون يسري على جميع المدارس العاملة في فلسطين. ثانيا: حُدّدت في هذا القانون وبشكل لا يحتمل التأويل أهداف التعليم في فلسطين، وأصبحت ضمن مادة قانونية تلزم الجميع العمل لتحقيقها مهما اختلف من في الحكم، ولا تترك الأمور لتغير الأشخاص في قمة هرم الوزارة، مما يعطي النظام التعليمي ثباتاً محموداً. ثالثًا:حدد القانون إلزامية التعليم من مرحلة رياض الأطفال، وربط الإلزامية بالمجانية، وحددها حتى نهاية الصف العاشر. مما يضمن التعليم للجميع، بغض النظر عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية. رابعاً: منع القانون، وبنص لا يحتمل التأويل العنف كوسيلة تأديبية في المدارس، وأكد حماية الأطفال، وتوفير البيئة الصحية، والآمنة، وحظر كل أشكال العنف. خامساً: فلسطين تضع نصًّا قانونيًا للتعليم الجامع، وتم تعريفه بشكل واضح وصريح، وأكد دمج المعرضين للإقصاء والمهمشين، وذوي الإعاقة. سادساً: ورد في القانون مواد صريحة وواضحة حول الكشف عن الموهوبين، والمبدعين، ورعايتهم، وهذا سيضع الوزارة أمام مسؤولية قانونية للقيام بذلك، ويعطي فرصة للمحاسبة المجتمعية. سابعاً: القانون وضع أسسًا للمشاركة المجتمعية، ومن أهمها تشكيل مجلس استشاري من فعاليات مجتمعية لتقدم النصح، والمشورة للوزير في القضايا التربوية، وسيكون عمل ومهام هذا المجلس بنظام يضعه مجلس الوزراء، كما أكد أهمية مجالس أولياء الأمور، وحدد العلاقة وآليات التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات الدولية الداعمة للتعليم. ثامنًا: لأول مرة يتم الحديث وبمواد قانونية عن تسريع التعليم، لينصف أولئك الذين وهبهم الله قدرات أكبر من عمرهم الزمني؛ لينتقلوا إلى صفوف أو مراحل دراسية أعلى، ضمن معايير ومحددات تضعها الوزارة. تاسعاً: لطالما نادى التربويون، بضرورة النهوض بمهنة التعليم، ورفع مكانة المعلم اقتصاديًا واجتماعيًا، واعتبار التعليم مهنة، يكون لها إجازة مزاولة مهنة، تحكمها معايير وأخلاقيات كمثيلاتها من الطب، والهندسة، والمحاماة. ونص هذا القانون على ضرورة حصول المعلم على إجازة مزاولة مهنة التعليم من الوزارة، وضمن نظام تضعه الحكومة لذلك، وسيرتبط أيضًا بلائحة لعلاوة طبيعة عمل ترتبط بالرتبة التي يحصل عليها المعلم. عاشراً: ثبت القانون عملية تعيين المعلمين حاملي الشهادات الجامعية المؤهلين تربويًا، وأعطى فرصة للوزارة لتعيين حملة الدبلوم وفق حاجتها؛ لأن هناك مراحل وتخصصات قد لا يتوفر لها حاملو البكالوريوس،مثل تربية الطفل، وأنه ما زال يوجد في فلسطين كليات متوسطة تمنح شهادة الدبلوم في هذه التخصصات، ولا تتوفر برامج بكالوريوس كهذه في الجامعات. وهذا أيضًا نصت عليه استراتيجية إعداد وتأهيل المعلمين. حادي عشر: وردت في القانون مواد واضحة للحدّ من التسرب من المدارس، فقد ألزم القانون وزارة التربية للحصول على بيانات المواليد من وزارة الداخلية لمتابعة من هم في السن القانونية للالتحاق في التعليم الأساسي، كما ألزم القانون الوزارة بوضع خطط علاجية للمنقطعين عن التعليم لظروف قاهرة لإعادتهم للمدرسة، وفي الوقت ذاته احتوى القانون على نص عقوبة واضحة لكل من يسحب ابنه أو ابنته، أو من هو وصي عليهما من المدرسة قبل سن السادسة عشرة، أو كل من يتسبب بسحب أي طفل أو طفلة من المدرسة، وهذا يعالج الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية. ثاني عشر: ركز القانون على تعزيز التفكير النقدي والإبداعي، والتعليم القائم على البحث ويؤكد على التعليم العميق، ولا حاجة لإنشاء مراكز أبحاث في المدارس، كما يعتقد البعض، فالمدارس مهمتها تخريج طلبة يفكرون بطريقة علمية نقدية، وهذه مهمة مؤسسات التعليم العالي. إنّ إصدار القانون من قبل سيادة الرئيس هو بداية العمل لإعداد أنظمة تصدر عن مجلس الوزراء، خلال ستة أشهر، لكي يتم وضع المواد القانونية حيز التنفيذ، ويحتاج هذا القانون إلى ستة أنظمة تفسيرية، كما يحتاج إلى وضع تعليمات لمواد أخرى تصدر عن الوزارة، وطبعًا أي شيء يصدر عن الوزارة يكون بتوقيع وزير التربية والتعليم العالي، وهذه التعليمات هي التي تيسر العمل، وهنا اعتقد البعض أن القانون أعطى صلاحية للوزير، مغفلا ضرورة وجود تعليمات للتنفيذ وتسهيل الأمور، والتعليمات التي يصدرها الوزير هي إجرائية ولا تعطي تصرفًا مطلقًا بمال عام وإنما أشياء إجرائية لا تحتمل النقاش الطويل، ويجب أن تكون هذه التعليمات مفسرة للمواد القانونية وليست متعارضة معها، وهذا ضابط ايقاع قوي لأي تعليمات.