"حلم العودة"... شوق لاجئ للقائه
طولكرم- هدى حبايب- جالسا على كرسيه أمام دكانه الصغير في "مربعة حنون" إحدى حارات مخيم طولكرم، يجول بناظريه هنا وهناك، كمن يبحث عن شيء فقده منذ زمن، وهو موقن بأن المفقود سيظهر ويعود إلى صاحبه.
منذ 69 عاما، فقد المسن السبعيني محمد عبد القادر حامد، بيته وأرضه وقريته قاقون، بسبب التهجير القسري من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي احتل المدن والقرى الفلسطينية عام 1948، كان في السادسة من العمر، إلا أن ذاكرته ما زالت مفعمة بأجمل ذكريات الطفولة التي عاشها سواء في المدرسة أو في منزله هناك.
يتذكر حامد اللبن الذي تذوقه يوما في بيت جده لأمه عندما اصطحبته هناك، قائلا "أحلف بالله أنني لم أذق أحلى من ذاك اللبن منذ ذلك الوقت وحتى الآن، لن أنسى طعمه ما حييت"، كما يتذكر الشمام عندما اصطحبه والده إلى الخضيرة، برائحته الفوّاحة التي تنتشر في المكان على بعد عدة كيلومترات، ويتذكر اللعب في البيادر التي وصفها بأنها كانت أحلى الأيام.
لم ينس حامد كيف احتل اليهود قريته عندما قصفوها بالمدافع، وارتكبوا المجازر فيها وقتلوا كبار السن، واستشهد صغار ونساء ورجال، مما اضطرهم إلى ترك القرية، متنقلين من منطقة إلى أخرى بظروف صعبة، بدون مأوى، مرورا بدير الغصون حيث توفي شقيقه الصغير من البرد هناك.
ينظر حامد للنكبة بأنها حدث مؤلم في تاريخ الشعب الفلسطيني، يستذكرها دوما بأبيات شعر تجعله يبكي ألما وقهرا من الحال الذي وصل إليه شعبنا في المخيم وباقي المخيمات الفلسطينية في الوطن والشتات، ويقول:
بكت عيني وزاد بها العذاب،، وطالت غيبتي والغياب،،
وتؤلمني المشاهد كل يوم، وبين اللاجئين لها حساب،
ويحرق مهجتي وطن عزيز، تقيم به الثعالب والكلاب،
ونحن مشردون بكل أرض، كأغنام وترعاها الذئاب،
وهل هذه الخيام بديل يافا.. وعكا.. إنه أمر عجاب،
نقيم بها ولا مال لدينا.. بلا عمل فما هذا الحساب،
صبرنا صبر أيوب ولكن.. بلا جدوى فقد طفح الجراب،
وحكاية حامد هي حكاية كل لاجئ هجر عن وطنه واستقر به المطاف في المخيمات، وأصبح المخيم يمثل بالنسبة للفلسطينيين جوهر المعاناة، التي خلفتها نكبة عام 1648، والشاهد الحي على جريمة الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، حيث سعى الاحتلال ومنذ احتلاله للأرض الفلسطينية إلى توجيه سمومه إلى المخيمات ومنها مخيم طولكرم، من خلال ممارسة أشكال العدوان ضد أبنائه، من قتل وأسر، مستهدفا وجوده وما يمثله من رموز ومعانٍ، وإذا كان الاحتلال يشكل العدو الأول للمخيم، فإن المعاناة والقهر التي يعيشها اللاجئ هو العدو الثاني.
ويقول فيصل سلامة رئيس اللجنة الشعبية لخدمات مخيم طولكرم، إن النكبة ومنذ عام 1948 "أثرت على اللاجئين الفلسطينيين وشعبنا بشكل كبير من خلال المعاناة والتشرد واللجوء، فبعد أن كانوا يعيشون في أراضيهم بأمان وسلام في حيفا ويافا وعكا لهم أعمالهم وحياتهم الطبيعية، تبدل حالهم وأصبحوا يعيشون آثار النكبة".
وأضاف أن المخيم يعاني كثيرا، حيث الاكتظاظ السكاني الخانق الذي أحدث مشاكل اجتماعية وسكنية، مشيرا إلى أن عدد سكانه وصل إلى 22 ألف نسمة حسب إحصائيات وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين على نفس البقعة الجغرافية التي استأجرتها الوكالة كأراض من طولكرم وذنابة، بعد أن كان عدد سكانه سابقا ما بين 4-5 آلاف نسمة.
وقال سلامة، "عندما نتحدث عن 69 عاما من النكبة، فإننا نتحدث عن نكبة ما زالت مستمرة حتى الآن من مصادرة الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات والاعتقالات والمداهمات الليلية وزج الآلاف من أبناء شعبنا في السجون، كل ذلك آثار ترتب عليها مآسٍ وجراح وقهر وحرمان وتشرد، ورغم ذلك فإن شعبنا ما زال صابرا رغم الظروف المأساوية الصعبة، عدا عن السياسات الدولية تجاه القضية الفلسطينية وانسداد الأفق السياسي والانحياز الأمريكي مع إسرائيل".
وأكد أن المخيم يشكل حالة وهوية نضالية وطنية ورمزية للجوء والمعاناة، وأن 70% من الشعب الفلسطيني لاجئ، "ومن هنا نقول كفى نكبات ولجوء وويلات، وأن على العالم أن ينحاز لحقوق الشعب الفلسطيني باعتراف دولي وأممي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين ضمن قرار194 وضمن الفقرة والبند 11 والذي ينص على العودة إلى الديار التي هجروا منها عام 48 والتعويض عن السنوات والحرمان واللجوء، وتحرير الأسرى".
وقال سلامة "إننا نحب المخيم كحالة وطنية فهو مصنع للحياة والرجال الذين ضحوا وما زالوا من اجل الوطن، وقدم مئات الشهداء وآلاف الجرحى والأسرى، لكن في نفس الوقت، لا يوجد أحد يحب البقاء في المخيمات، بل كل لاجئ يتمنى العودة إلى مدينته وقريته التي كان يعيش فيها".
ولفت إلى أن 90% من شباب المخيم من طلبة وأطفال، "ورغم الوضع الصعب الذي يعيشونه من بطالة وضغوط نفسية وإحباط، لديهم وعي وطني ونضالي، ويدركون أن النكبة عنوانها المخيم واللجوء والشتات والتشرد، وعنوانها الاحتلال الذي هجر آباءنا وأجدادنا، وكل واحد منهم يعرف مدينته وقريته التي هجر منها، وهذا ما يبعث على الأمل بأن العودة إلى ديارهم ثابت من الثوابت الوطنية".