رمضان يلهب شوق الثمانيني الخطيب ليافا
ألهب شهر الصوم، شوق الثمانيني محمد سعيد الخطيب ليافا، التي أبصر فيها النور عام 1935، وراح يسرد بشوق ووجع ذكريات شبابه في المدينة، وأعاد استذكار محطات يافاوية رمضانية، ميزت المدينة.
ويسرد الراوي خلال الحلقة الثامنة والخمسين من سلسلة (ذاكرة لا تصدأ)، التي تنظمها وزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية واللجنة الشعبية للخدمات في مخيم الفارعة، مقاطع من حكايته مع عروس البحر وملكة البرتقال، ويتنقل في حي العجمي، مسقط رأسه ومسرح طفولته وشبابه: درست الرابع الابتدائي في مدرسة النهضة، وكان مديرها حمدي الدجاني، وكنت شاهدا على تأسيس منظمة "النّجادة" أواخر عام 1945 (اهتمت بتدريب الشبان عسكريا لمواجهة العصابات الصهيونية، ووقف على رأسها المحامي محمد الهراوي)، وأحفظ نشيدها: "نجاد يا وجه العلا…….وخفقة العلم... كن للبلاد الأملا……….والسيف والقلم".
يوالي: سمعنا عن محاولة العصابات الصهيونية تفجير مقر "النّجادة"، ووضعوا اللغم بين بنك باركليز البريطاني والسريا (مقر الاحتلال البريطاني)، وهز التفجير كل يافا، وأسقط شهداء وجرحى.
ووفق الخطيب، فقد كان أطفال يافا ينتظرون مدفع الإفطار والسحور، ويتسابقون إلى موائدهم، ويحرصون على أن يشمل وجبات سمك طازجة، كما أقاموا موائد الرحمن، فيما كان الصياد المسيحي من عائلة هللو يحرص على إهداء الجيران السمك في شهر الصوم. فيما يعرف "اليافويون" دخول الشهر ونهايته من المذياع، عبر راديو (الشرق الأدنى) التابع للإذاعة البريطانية (انتقلت إلى المدينة من جنين مقرها الأول)، التي كانت تبعد عن منزله 50 مترا، ويحرسها موظفون سنغاليون.
يضيف: كان منزلنا تحت البحر، وبجانب المستشفى الحكومي، وأذكر جدي إسماعيل الذي أجرى فيه عملية للتخلص من حصى الكلى، وانتشر في مدينتنا الطعام القريب من أطباق مصر، وراجت في رمضان عادة بيع قوالب الثلج على عربات متنقلة، وكنا نتسابق للحصول عليها، وكان يصل المدينة عمال سعوديون ومصريون ومن جنسيات عربية أخرى للعمل في الميناء، ولقطف البرتقال، وكان الأطفال يذهبون للمطاعم قبيل الإفطار لشراء أطباق الحمص والفول.
يواصل الخطيب: لم تتغير في رمضان كثيرا مواعيد شركات الباصات، التي كانت تحمل النمرة (1) و(2)، وكانت تربط يافا بالمنشية، وأبو كبير، وتل الريش، وغيرها، وكنا نشتري "أبونه" (تذاكر شهرية للحافلات). أما شارع اسكندر عوض فقد كان يتحول في أيام رمضان الأخيرة إلى مكان مكتظ، فالجميع يأتيه لشراء الملابس، التي يتخصص بها دون غير من أسواق المدينة الساحلية.
وتبعًا للشاهد، فإن صلاة عيد الفطر كانت تقام في مسجد حسن بك، وكان يكبر للعيد أمام مسجد أبو كبير الشيخ محمد سعيد، بصوته الجميل. أما العيدية ففي الغالب خمسة ملات (جزء معدني مثقوب من منتصفه، من فئات من الجنيه الفلسطيني)، أما جده الذي يحمل اسمه، فيحرص على رفع أذان المغرب من سطح منزله المرتفع.
ويقول: خلال العيد كان الفتية يذهبون للبحث عن الخيول، فيركبونها بأجر، ويدفعون لسائق الحنطور (العربة) للتنقل بين أحياء المدينة، ثم يذهبون قليلا للسباحة في البحر القريب، وكنت شاهدا على غرق طفلة من نابلس، ابتلعها الموج أمام أمها يوم العيد.
من بوح الخطيب، كانت يافا متقدمة في خدماتها، وتوفرت فيها المطاعم والمخابز والمتاجر والمواصلات والمدارس والمستشفيات، وكانت قياسًا بمدن أخرى متطورة جدا، وحرص موظفو بلديتها على إنارة طرقاتها في رمضان وغيره، وانتقل رئيس البلدية ليكون لاحقا سفيرا للأردن في بريطانيا.
يبتسم الراوي رغم المرارة التي يعيشها على خسارة يافا، ويتذكر الأنشودة التي ألفها صبية العجمي، التي كانت تشير إلى انقضاء العيد والعودة إلى مقاعد الدراسة فيغنون مع غروب اليوم الثالث للعيد: "راح العيد وفرحاته، وإجا حمدي وقتلاته".
بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف إلى أن (ذاكرة لا تصدأ) أعادت تقديم النكبة بقالب جديد، عبر جمع قصص وصور إنسانية واجتماعية وثقافية واقتصادية، رسمت المدن والقرى المدمرة بكل تفاصيلها.
وأضاف: لم يجر التركيز على لحظة الاقتلاع بشكل موسمي ومحصور في أيار كل عام، بل أعاد الشهود رسم حنينهم إلى مسقط رأسهم، وأسهبوا في وصفها، وقدموا حكاية الحياة، والزراعة، والتجارة، والأفراح، والأحزان، والعيد، والحج، والعرس، والمدرسة، والشتاء، ومواسم الأرض، وغيرها.