الساطون
رشا حرز الله
وسط حارة الياسمينة، الزاوية الجنوبية الغربية للبلدية القديمة من نابلس، بناء قديم يستدل عليه المارون من خلال لوحة قديمة وضعت على أحد جدرانه الخارجية خط عليها "جامع الساطون"، وعرف أيضا باسم "الجامع العمري"، أحد أبرز المساجد التاريخية في المدينة.
رغم أن البلدة القديمة من مدينة نابلس تزخر بعدد من المساجد التاريخية والقديمة، غير أن أهمية "الساطون" تنبع من كونه أول مسجد أقيم على أرض نابلس.
أصل المسجد "عُمري"، هذا ما تقوله النقوش الأثرية داخله، أي بني في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، سنة 15ه/636م، وهو تاريخ فتح نابلس على يد عمرو بن العاص، الذي صلى فيه إبان تأسيسه، حسب خبير الآثار عبد الله كلبونة، ويضيف انه تم إعادة بناء المسجد سنة 688ه/1285م.
المسجد من الداخل مؤلف من غرفة كبيرة مستطيلة الشكل، تتوسطها ثلاث دعامات حجرية قديمة تستند عليها السدة الحجرية، وفيها تقام الصلوات، ومنبر، وثلاثة محاريب أكبرها المحراب الأوسط، بينما السقف مشكل من الأقبية المتقاطعة، على جانب النوافذ المعقودة.
في مسجد الساطون، ايضا، إيوانان مفتوح كل واحد منهما على جهة واحدة، ومئذنة يسمع منها الأذان في معظم أنحاء البلدة القديمة.
سمي المسجد، الذي يقوم على مساحة 400 متر مربع، بـ"الساطون"، لوجود عامود أسطواني ضخم يتوسط أحد الإيوانين، يمتد الجزء الآخر منه عميقا في باطن الأرض، ويقول كلبونة إنه بات نموذجا عمرانيا للمساجد خلال الفتح الإسلامي.
المسجد لم يعد على حاله كما كان، وطرازه "العمري" تلاشى في بعض الجوانب، بسبب عمليات الترميم التي حصلت سابقا، بعد تهدم أجزاء منه بفعل عدة زلازل ضربت المنطقة على مدى القرون الماضية، كذلك بفعل الرطوبة، وأكبر عمليات التعمير هذه حدثت سنة 1269ه/1870م، ويستدل عليها أيضا من النقش المحفور أعلى مدخل المنبر.
تبع عمليات الترميم هذه ترميم مدخل المنبر، اذ قام بعض أهالي الخير في نابلس ببعض التجديدات الحديثة للمسجد، والتي لا تتناسب وتاريخه، وبحسب كلبونة، فقد أدت لتغيير ملامحه القديمة، حيث تمت تغطية البناء القديم وزخرفته بالبلاط القيشاني الملون، كذلك طلاء بعض النقوش القديمة بطريقة غير ملائمة، بهدف القضاء على الرطوبة وتآكل الجدران.
هذا الوضع الخاص بالمسجد وما تحول إليه، دفع أهالي نابلس لتشكيل لجنة خيرية لإعادة إعماره، والتي بدأت عملها فعليا في 20 آيار الماضي، لإعادته الى طابعه الأصلي.
ولفت كلبونة، أحد أعضاء اللجنة، إلى أنها تعمل على جمع التبرعات من المواطنين وأهل الخير في المدينة، إضافة إلى التواصل مع الشركات والمؤسسات، لتأمين نحو 600 ألف شيقل، وهي كلفة تعمير المسجد.
وتتم حاليا عملية ترميم للجدران الخارجية للساطون، لتبدأ بعدها مرحلة إزالة البلاط القيشاني والطلاء عن النقوش، ليظهر الحجر التاريخي الذي يعكس قدم المسجد وطابعه المعماري والحضاري الاصيل.